للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ التَّنْبِيهَ وَالِانْتِبَاهَ مِنْ النَّوْمِ فِي غَايَةِ السُّرْعَةِ أَمَّا التَّنْبِيهُ مِنْ الْإِغْمَاءِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ (، فَيُبْطِلُ الْعِبَادَاتِ وَيُوجِبُ الْحَدَثَ فِي كُلِّ حَالٍ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا بِخِلَافِ النَّوْمِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قُوَّةِ سَبَبِ الْإِغْمَاءِ وَكَثَافَتِهِ، وَلَطَافَةِ سَبَبِ النَّوْمِ فَمُنَافَاةُ الْإِغْمَاءِ تَمَاسُكُ الْيَقَظَةِ أَشَدُّ مِنْ مُنَافَاةِ النَّوْمِ إيَّاهُ فَجُعِلَ الْإِغْمَاءُ حَدَثًا فِي كُلِّ حَالٍ لَا النَّوْمُ، وَأَيْضًا كَثْرَةُ وُقُوعِ النَّوْمِ وَقِلَّةُ الْإِغْمَاءِ تُوجِبُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَمَّا كَانَ نَادِرًا فِي الصَّلَاةِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ

ــ

[التلويح]

عَلَيْهِ قُوَّةٌ تَسْرِي بِسَرَيَانِهِ فِي الْأَعْصَابِ السَّارِيَةِ فِي أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، فَيَنْتَشِرُ فِي كُلِّ عُضْوٍ قُوَّةٌ تَلِيقُ بِهِ، وَيَتِمُّ بِهَا مَنَافِعُهُ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى مُدْرِكَةٍ، وَمُحَرِّكَةٍ، أَمَّا الْمُدْرِكَةُ فَهِيَ: الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ، وَالْبَاطِنَةُ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا الْمُحَرِّكَةُ فَهِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ بِتَمْدِيدِ الْأَعْصَابِ أَوْ إرْخَائِهَا لِيَنْبَسِطَ إلَى الْمَطْلُوبِ أَوْ يَنْقَبِضَ عَنْ الْمُنَافِي فَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَيُسَمَّى قُوَّةً شَهْوَانِيَّةً، وَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ، وَيُسَمَّى قُوَّةً غَضَبِيَّةً، وَأَكْثَرُ تَعَلُّقِ الْمُدْرِكَةِ بِالدِّمَاغِ، وَالْمُحَرِّكَةِ بِالْقَلْبِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ آفَةٌ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ تِلْكَ الْقُوَى عَنْ أَفْعَالِهَا أَوْ إظْهَارِ آثَارِهَا كَانَ ذَلِكَ إغْمَاءً فَهُوَ مَرَضٌ، وَلَيْسَ زَوَالًا لِلْعَقْلِ كَالْجُنُونِ، وَإِلَّا لَعُصِمَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ الْإِغْمَاءُ فَوْقَ النَّوْمِ فِي إيجَابِ تَأْثِيرِ الْخِطَابِ، وَإِبْطَالِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ حَتَّى عَدَّهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَوَانِ اسْتِرَاحَةً لِقُوَاهُ، وَالْإِغْمَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ أَشَدَّ فِي الْعَارِضِيَّةِ، وَلِأَنَّ تَعَطُّلَ الْقُوَى، وَسَلْبَ الِاخْتِيَارِ فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ مَوَادَّهُ غَلِيظَةٌ بَطِيئَةُ التَّحَلُّلِ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّنْبِيهُ، وَيَبْطُؤُ الِانْتِبَاهُ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّ سَبَبَهُ تَصَاعُدُ أَبْخِرَةٍ لَطِيفَةٍ سَرِيعَةِ التَّحَلُّلِ إلَى الدِّمَاغِ فَلِذَا يَنْتَبِهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ، وَلِقِلَّةِ وُقُوعِ الْإِغْمَاءِ، وَنُدْرَتِهِ لَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ كَانَ مَانِعًا لِلْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدَثِ الْغَالِبِ الْوُقُوعِ

[الرِّقُّ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الرِّقُّ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ، وَمِنْهُ رِقَّةُ الْقَلْبِ، وَثَوْبٌ رَقِيقٌ ضَعِيفُ النَّسْجِ، وَفِي الشَّرْعِ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْهُ أَهْلًا لِكَثِيرٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْحُرُّ مِثْلَ الشَّهَادَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوِلَايَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ جَزَاءً لِلْكُفْرِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَلْحَقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ النَّظَرِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِجَعْلِهِمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُتَمَلَّكِينَ مُبْتَذَلِينَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الرِّقُّ عَلَى الْمُسْلِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>