للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الثُّلُثَيْنِ (وَالْقِيَاسُ فِي الْوَصِيَّةِ الْبُطْلَانُ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهَا نَظَرًا لَهُ) أَيْ: لِلْمَرِيضِ (لِيَتَدَارَكَ بِتَقْصِيرَاتِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ فِي الْقَلِيلِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحَجْرَ، وَتَرْكَ إيثَارِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلٌ وَلَمَّا أَبْطَلَ الشَّرْعُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ إذْ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ) اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى فَرَضَ أَوَّلًا الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٨٠] ثُمَّ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: ١١] فَنَسَخَ الْأَوَّلَ (بَطَلَتْ) أَيْ: الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ (صُورَةً) بِأَنْ يَبِيعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِصُورَةِ الْعَيْنِ لَا بِمَعْنَاهُ (وَمَعْنًى) بِأَنْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى (وَحَقِيقَةً) بِأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ (وَشُبْهَةً) بِأَنْ بَاعَ الْجَيِّدَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِرَدِيءٍ مِنْهَا

ــ

[التلويح]

وَالْأَنْجَاسِ، وَلِلصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَأَدِّيهِ مَعَ الْحَدَثِ، وَالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجٌ لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ فَسَقَطَ وُجُوبُهَا حَتَّى لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا، وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ، وَالنِّفَاسُ يَنْدُرُ فِيهِ فَلَمْ يَسْقُطْ إلَّا وُجُوبُ أَدَائِهِ، وَلُزُومُ الْقَضَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْوَقْتِ

[الْمَرَضُ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْمَرَضُ) يَعْنِي: غَيْرَ مَا سَبَقَ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءِ. (قَوْلُهُ: مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِهِ) أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْحَجْرِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ مَرَضٌ مُمِيتٌ، وَسَبَبَ الْمَوْتِ هُوَ الْمَرَضُ عَنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِضَعْفِ الْقُوَى، وَتَرَادُفِ الْآلَامِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ: الْفَسْخُ كَالْإِعْتَاقِ الْوَاقِعِ عَلَى حَقِّ الْغَرِيمِ بِأَنْ يُعْتِقَ الْمَرِيضُ عَبْدًا مِنْ مَالِهِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ أَوْ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ بِأَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ.

(قَوْلُهُ: نَظَرًا لَهُ، وَلِيُعْلَمَ كِلَاهُمَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، جَوَّزَهَا إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيلٌ لِتَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ، وَالثَّانِي لِتَقْيِيدِهِ بِالْقَلِيلِ، وَهَذَا مَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ اسْتِخْلَاصًا عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْقَلِيلِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحَجْرَ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ أَصْلٌ فَقَوْلُهُ نَظَرًا لَهُ عِلَّةً لِلتَّجْوِيزِ، وَقَوْلُهُ اسْتِخْلَاصًا أَيْ: اسْتِيثَارًا مِنْ الْوَصِيِّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْقَلِيلِ عِلَّةً لِتَقْيِيدِ التَّجْوِيزِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَقَوْلُهُ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحَجْرَ، وَالتُّهْمَةَ أَيْ: تُهْمَةَ إيثَارِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَقَارِبِ بِاعْتِبَارِ ضَغِينَتِهِ لَهُ أَصْلٌ فِي بَابِ الْإِيصَاءِ عِلَّةً لِتَقْيِيدِ الِاسْتِخْلَاصِ بِالْقَلِيلِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَبِيعَ) يَعْنِي: لَوْ بَاعَ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ كَانَ وَصِيَّةً صُورَةً حَيْثُ آثَرَ الْوَارِثَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِمُقَابِلِهِ لَا مَعْنَى الِاسْتِرْدَادِ الْعِوَضِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِيَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِثُلُثَيْ الْمَالِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا حَجْرَ لِلْمَرِيضِ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا لَا يُخِلُّ بِالثُّلُثَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>