للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ فَقَبْلَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يَكُونُ كَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِالْهَزْلِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَقَدْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ فَتُطْلَبُ الشُّفْعَةُ، وَبَعْدَهُ التَّسْلِيمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ) حَتَّى لَوْ قَالَ: سَلَّمْت الشُّفْعَةَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَبْطُلُ التَّسْلِيمُ وَيَكُونُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ بَاقِيًا (وَكَذَا الْإِبْرَاءُ) أَيْ: يَبْطُلُ إبْرَاءُ الْغَرِيمِ هَازِلًا كَمَا يَبْطُلُ الْإِبْرَاءُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَأَمَّا الْإِخْبَارَاتُ فَالْهَزْلُ يُبْطِلُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ، أَلَا يُرَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا بَاطِلٌ فَكَذَا هَازِلًا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادَاتُ فَالْهَزْلُ بِالرِّدَّةِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ، فَيَكُونُ مُرْتَدًّا بِعَيْنِ الْهَزْلِ لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ) أَيْ: لَيْسَ كُفْرُهُ بِسَبَبِ مَا هَزَلَ بِهِ وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ مَعْنَاهَا بَلْ كُفْرُهُ بِعَيْنِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ

ــ

[التلويح]

يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ شَيْئًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانُ بِالْإِجَازَةِ لَا يُصَيِّرُ الْكَذِبَ صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ عَلَى مَا سَبَقَ.

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) أَيْ: الْهَازِلُ بِالرِّدَّةِ مُرْتَدًّا بِنَفْسِ الْهَزْلِ لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَهُوَ مِنْ أَمَارَاتِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: ٦٥] الْآيَةَ، وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الِارْتِدَادَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ، وَالْهَزْلُ يُنَافِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالِاعْتِقَادُ

[السَّفَهُ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ السَّفَهُ فَإِنَّ السَّفِيهَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ فَلَا يَكُونُ سَمَاوِيًّا، وَعَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ كُلُّ فَاسِقٍ سَفِيهًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْلِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الشَّرْعَ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْخِفَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَاللُّغَوِيِّ فَإِنَّ السَّفَهَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْخِفَّةُ، وَالْحَرَكَةُ، وَمِنْهُ زِمَامٌ سَفِيهٌ، وَتَخْصِيصًا لَهُ بِمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ مِنْ السَّفَهِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَنْعُ الْمَالِ، وَوُجُوبُ الْحَجْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّبْذِيرَ أَصْلُهُ مَشْرُوعٌ) التَّبْذِيرُ هُوَ تَفْرِيقُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَافِ أَيْ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالْمُرَادُ بِأَصْلِ التَّبْذِيرِ نَفْسُ تَفْرِيقِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ) يَعْنِي: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥] أَيْ: لَا تُؤْتُوا الْمُبَذِّرِينَ أَمْوَالَهُمْ الَّذِينَ يُنْفِقُونَهَا فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَإِضَافَةُ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>