للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثَّاني: منهاج تأويله بلاغة القرآن الكريم في بناء السورة

... المعلم الأول....

تحقيقُ مقصودِ كُلِّ سُورةٍ، وتصاعُدِ معانيها

المعالم السابقة كانت فيما يتعلق بمنهاج "البقاعي"في تأويل تناسب ترتيب سور القرآن الكريم، وما يأتيك من معالم قائم بتبيان منهاجه في تأويل تناسب النظم التركيبيّ والترتيبيّ في بناء السورة القرآنية

وأساس منهاجه في هذا عنايته بتحقيق وتحرير المقصود الأعظم للسورة القرآنية التي هو بصدد تأويلها وتبيان الإعجاز البياني في نظمها تركيبا وترتيبا

المقصود الأعظم هو ما تدور عليه معاني البيان في هذه السورة، وهو الذي يتحكم في كل شيءٍ فيها.

يقرر في مقدمة تفسيره (نظم الدرر) أنّ علم مناسبات القرآن الكريم علمٌ تعرف منه علل ترتيب أجزائه (أي أجزاء القرآن: جمله وآياته ومعاقده وسوره)

وهو سرّ البلاغة؛ لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال. وهذا يعنى أنَّه لايرى أنَّ سرَّ البلاغة القرآنية قائم في النظم التركيبي المتحقق من علاقات الكلم ببعضها في بناء الجملة مفردة عن قرائنها في سياقها وإن امتدت فحسب بل قائم في النظم الترتيبيّ، فليست البلاغة العليّة المعجزة في أن عُرِّفتْ هذه الكلمة, فأفادت معنى كذا أو قُدمت فأفادت كذا، أو حُذف المسند إليه أو المفعول به، فأفاد معنى كذا فإنَّ شيئا من ذلك في بناء الجملة مفردة عن قرائنها في سياقها أنت واجده في غير البيان القرآنيِّ، ولكنّ البلاغة العليَّة المعجزة المُبْلِسَة العالمين أجمعين قائمة في علاقات الجمل ببعضها في سياق الآية وعلاقات الآيات ببعضها في سياق المعقد وعلاقات المعاقد ببعضها في سياق السورة وعلاقات السور ببعضها في السياق الكلّى للمعنى القرآنِيّ الكريم.

والبقاعيّ يبين أيضًا في مقدمة تفسيره ما تتوقف عليه إجادة فقه ذلك وإتقان تأويل البلاغة القرآنية المعجزة قائلا:

((وتتوقف الإجادة فيه [أيْ في علم فقه مناسبات القرآن الكريم] على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها.

ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها)) (١)

هو كما ترى يجعل العِرفان بمقصود السورة أساسَ الإجادةِ في فقه تناسب القرآن الكريم من حيث العِرفانُ بعلل ترتيب أجزاء البيان القرآنيّ بدأ من الكلمة في الجملة وانتهاءً بالسُّورة، وفي الوقت نفسه يعود ذلك بالنفع الجليل على معرفة المقصود من جمل السورة بفقه نظمها التركيبي.

وهذا يجعل المُؤَوِّلَ للبيان القرآني الكريم قائمًا في مقام الحركة الترددية بين تأمل وتذوق الجزء وتدبر وتذوق الكلِّ، فكلَّما زدت البيان القرآني نظرًا في جزء منه زادك اقتدارًا على عرفان المقصود الأعظم وكلَّما زدت المقصود الأعظم نظرًا زادك فهما لبيان النظم التركيبي للجملة.


(١) - نظم الدرر: ج١ ص ٥ - ٦

<<  <   >  >>