للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحيح مثلا -باعتبار نظر المحدث- موضوعا أو ضعيفا في نفس الأمر, وبالعكس ولو لما في الصحيحين على الصحيح, خلافًا لابن الصلاح كما أشار إلى ذلك الحافظ العراقي في ألفيته بقوله:

واقطع بصحة لما قد أسندا ... كذا له وقيل ظنا ولدي

محققيهم قد عزاه النووي ... وفي الصحيح بعض شيء قد روي

نعم المتواتر مطلقًا قطعي النسبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتفاقًا، ومع كون الحديث١ يحتمل ذلك فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين, وفي الفتوحات المكية٢ ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحا من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيعلم وضعه ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه، ورب حديث ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع في رواته يكون صحيحًا في نفس الأمر لسماع المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتهى٣. واعلم أن الحافظ جلال الدين السيوطي قال في خطبة جامعه الكبير ما حاصله: كل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول؛ فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن، وكل ما كان في كتاب الضعفاء للعقيلي ولابن عدي في الكامل وللخطيب البغدادي ولابن عساكر في تاريخه وللحكيم الترمذي في نوادر الأصول وللحاكم في تاريخه ولابن النجار في تاريخه وللديلمي في مسند الفردوس


١ أي: مع احتمال أن يكون الصحيح عن المحدثين ضعيفًا في نفس الأمر.
٢ في متن الكتاب في هذا الموضع: "للشيخ الأكبر -قدس الله سره- الأنور" وقد حذفت ذلك من المتن؛ لإجماع محققي أهل السنة على تكفير ابن عربي صاحب الفتوحات هذا، وأثبتُّه في الهامش للأمانة العلمية.
٣ هذا كلام باطل مؤداه هدم الشريعة واتباع منامات الصوفية وخرافاتهم، والحق الذى عليه عامة أهل العلم من أهل السنة هو أنه إذا صح إسناد الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا معارض له، ولا قادح فقد وجب العمل به، ولا يصح أن يكون المعارض للحديث أو القادح فيه منامًا أو غيره مما يسميه مخرفو الصوفية منامات، فالشريعة لا تثبت بتلك المنامات والرؤى الباطلة، ولا يلبسن عليك ملبس بحديث: "من رآنى في المنام فقد رآنى حقًّا؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي" فالجواب عنه: أن الشيطان لا يتمثل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في صورته وهيئته الحقيقية، فمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورته وهيئته الحقيقية فقد رآه حقا لأن الشيطان لا يتمثل به في صورته الحقة، ولكن قد يتمثل الشيطان في صورة أخرى غير صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يلقي في نفس النائم أنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم يكذب على أتباعه ما يشاء فيحل ما يشاء مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ويحرم ما شاء مما أحل الله ورسوله، ويكذب الصحيح الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويصحح الضعيف المكذوب عليه صلى الله عليه وسلم، فما أدرى هذا المخرف المتبع لضلالات إبليس أن الذي رآه في المنام هو النبى -صلى الله عليه وسلم-؟؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>