للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وأما ما يموه به من نفي التشبيه والتجسيم فإنما هو شيء وضعه المتكلمون وأهل البدع توسلاً به إلى إبطال السنن ورد الآثار والأخبار، والتمويه على الجهال والأغمار (١) ليوهموهم: إنما قصدنا التنزيه ونفي التشبيه) (٢) .

وأما دعوى أن إثبات الصفات يستلزم الجوارح والأعضاء لله عزّ وجل فقد أجاب عن هذه الشبهة الإمام الدارمي (ت - ٢٨٠هـ) رحمه الله في رده على المريسي (ت - ٢١٨هـ) فقال: (وأما تشنيعك على هؤلاء المقرين بصفات الله، المؤمنين بما قال الله: أنهم يتوهمون فيها جوارح وأعضاء، فقد ادعيت عليهم في ذلك زوراً وباطلاً، وأنت من أعلم الناس بما يريدون بها، إنما يثبتون منها ما أنت معطل، وبه مكذب، ولا يتوهمون فيها إلا ما عنى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يدعون جوارح وأعضاء كما تقولت عليهم ... ) (٣) .

ومما أجاب به سلف الأمة على من ألصق بهم تهمة التشبيه والتجسيم، بيانهم لأمر غفل عنه النفاة ألا وهو أن اتفاق الأسماء لا يلزم منه اتفاق المسميات، وكذلك اتفاق الصفات لا يلزم منه اتفاق الموصوفين بها فقد سمى الله عزّ وجل نفسه سميعاً بصيراً بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: ٥٨] .

وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً بقوله عزّ وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان: ٢] .


(١) _٥٥) الأغمار: جمع (غُمر) بالضم: وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور.
انظر: لسان العرب لابن منظور ٥/٣١ - ٣٢ مادة (غمر) .
(٢) تحريم النظر في كتب الكلام ص٥٧.
(٣) رد الإمام الدارمي على بشر المريسي ص٦١، وانظر: اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي ص٣٣، تحريم النظر في كتب الكلام لابن قدامة ص٢٢ - ٢٣، النصيحة في صفات الرب جل وعلا للواسطي ص٤٨.

<<  <   >  >>