للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الزبر، مثل كون القرآن، والرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - في زبر الأولين.

وأما الكتاب المسطور في الرق المنشور، فهو كما يكتب الكلام نفسه في الكتاب.

فأين هذا من هذا؟

وذلك أن كل شيء له في الوجود أربع مراتب: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في الكتاب.

والكلام وجوده في اللسان، وليس بينه وبين المحل المكتوب فيه، مرتبة أخرى، بل نفس الكلام يثبت في الكتاب، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ {٧٧} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} ، وقال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {٢١} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} ، وقال تعالى: {يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً {٢} فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} ، وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ {١١} فَمَن شَاء ذَكَرَهُ {١٢} فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ {١٣} مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} ، وقال تعالى: {وَلَو نَزَلنَا عَلَيَكَ كِتَابَاً فِي قِرطَاسٍ} .

وليس في المصحف من الأعيان إلا ذكرها، ووصفها، والخبر عنها.

والكلام في الكتاب، ليس هو فيه، كما تكون الصفة بالموصوف، والعرض بالجوهر، والجسم بالمكان، وما هو بمنزله الدليل على المدلول، كالمخلوق الدال على الخالق. بل هو قسم آخر، معقول بنفسه، والناس بفطرهم يفهمون معنى كون كلام الله في المصحف، وأن كلامه الذي قام به لم يفارق ذاته ويحل في غيره، ويعلمون أن الذي في المصحف ليس مجرد دليل على معنى قائم في نفس الله، بل الذي في المصحف كلام الله، مطابق للفظه، ولفظه مطابق لمعناه، ومعناه مطابق لما في الخارج، وهو كلام الله حقيقة لا مجازاً.

وهذه مسألة عظيمة، ضل فيها طوائف من الناس، والبخاري - رحمه الله - ممن ابتلي فيها بمن لم يفهم الحق فيها؛ فارتكب شططاً، ونسب البخاري فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>