للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا أتى بالعبادة بشروطها، فإن اعتقد أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس، وهو من الكبائر، وأما ظن المغفرة مع الإصرار على الذنوب، فهو محض الجهل، والغرور. (١)

والحديث معناه واضح كما تقدم، وما ذكره صاحب المفهم من معناه، ووراء ذلك معنى أدق، وهو قرب الله من عبده المنيب إليه، وخير ما يفسر به كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلامه، ولكن لا يعارض النصوص الكثيرة المحذرة من عذاب الله -تعالى- وعقابه، فالأمر كما قال -تعالى-: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {٤٩} وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} (٢) ، وحسن الظن يكون مع حسن العمل،

وقد تشعر الإضافة في قوله: " عبدي" بحسن العمل، أي أنه عبد الله، وليس للشيطان أو للدنيا أو غيرهما. والله أعلم.

قوله: " وأنا معه إذا ذكرني" أي: معه بالإجابة، والتوفيق، وبسماع كلامه، وإثابته عليه، أو بحسب ما قصد في ذكره، ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم، فهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في مثل قوله -تعالى-: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (٣) .

ومعية الله -تعالى- بالنسبة لعباده نوعان:

معية عامة للخلق كلهم، كما قال -تعالى-: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٤) .

وقال -تعالى-: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} (٥) ، ومن مقتضى هذه المعية: اطلاعه -تعالى-


(١) من "الفتح" (١٣/٣٨٥-٣٨٦) .
(٢) الآيتان ٤٩، ٥٠ من سورة الحجر.
(٣) الآية ٤٦ من سورة طه.
(٤) الآية ٧ من سورة المجادلة.
(٥) الآية ٤ من سورة الحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>