للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (١) .

بهذه الآية يتبين أن المدعو يجب أن يكون مالكاً لما يدعى من أجله، وإلا كانت دعوته ضلالاً مبيناً، فإن لم يكن مالكاً يكون مشاركاً للمالك، فإن انتفى الأمران، يكون معاوناً وظهيراً مساعداً للمالك، فإن لم يكن ذلك، فلا أقل من أن يكون شافعاً مقبول الشفاعة عند من يملك المطلوب، فنفى الله -تعالى- عن المدعوين من دونه هذه الأمور الأربعة، وبين أن الشفاعة لا تنفع إلا بعد إذنه، وهو – جل وعلا – لا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي عمله، وهم أهل الإخلاص، ومتابعة الرسول وهو -تعالى- لا يرضى عن المشرك، الذي يدعو غير الله -تعالى-.

فيجب على العاقل الذي تعز عليه نفسه أن لا يغتر بما اغتر به كثير من الناس الذين يعتمدون على الشفاعة، مع ما هم فيهم من المعاصي، فأفضل الشفعاء يحد الله له حداً، يقول: هؤلاء أشفع فيهم.

قوله: " فأقول: يا رب، ما بقي إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود" أي: أن أهل التوحيد الذين استحقوا دخول النار بذنوبهم قد خرجوا منها بالشفاعة التي حقيقتها رحمة الله إياهم، بواسطة الشفاعة؛ ليظهر كرامة الشافع كما تقدم، وبقى من نص القرآن على أنه من أهل النار، الذين لا تنالهم شفاعة الشافعين.

قوله: " يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ... " إلى قوله: " ما يزن برة" يدل على أن مجرد قول: لا إله إلا الله، من دون أن يقوم في القلب شيء من الإيمان، لا ينفع، ولا يخرج من النار، فالمقصود بالخير: الإيمان الذي يقوم في القلب، وإن قل.

كما أنه يدل دلالة واضحة على تفاوت الإيمان وتفاضله، وأن أهل الكبائر من المؤمنين يدخل من يدخل منهم النار ثم يخرجون منها، والله أعلم.


(١) الآيتان ٢٢ و ٢٣ من سورة سبأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>