للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السامع يتطلع من قوله: " منذ خلق السماوات والأرض " ماذا كان قبل ذلك؟ فذكر أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض، كان على الماء " (١) .

قوله: " وبيده الأخرى، الميزان، يخفض ويرفع" الميزان: العدل، الذي به يرفع من يكون أهلاً لأن يرفع، ومن هو موضع له، فيتفضل عليه برفعه بالإيمان وقبول الحق، بأن يحبب إليه الإيمان، ويزينه في قلبه، ويكره إليه الكفر والفسوق، والعصيان، ويجعله من الراشدين، وهذا أعظم الرفع. ويخفض من ليس أهلاً

لذلك، بأن يمنع فضله عنه، ويكله إلى نفسه، فيضل، ويتولاه عدوه فيصبح خاسراً، وهذا أعظم الخفض؛ لأنه يصير إلى أسفل سافلين، في جهنم - نعوذ بوجه الله منها - وأمور الدنيا تبع لذلك.

"قال الطيبي: يجوز أن يكون "ملأى" و"لا يغيضها" و"سحاء" و"أرأيتم" أخبار مترادفة ليد الله، ويجوز أن تكون الثلاثة أوصافاً "لملأى" ويجوز أن يكون "أرأيتم" استئنافاً فيه معنى الترقي، كأنه لما قيل: "ملأى" {خشي} إيهام جواز النقصان، فأزيل بقوله: " لا يغيضها" وقد يمتلئ الشيء ولا يغيض، فقيل: "سحاء" إشارة إلى الفيض - وهو كثرة العطاء - وقرنه بما يدل على الاستمرار، من ذكر الليل والنهار، ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة، بقوله: " أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض" وهذا الكلام إذا أخذته بجملته أبان عن زيادة الغنى، وكمال السعة والجود، والبسط في العطاء" (٢) .

قلت: الاستدلال بهذا الحديث على ثبوت اليدين لله -تعالى- حقيقة، ظاهر جداً، وسيأتي تقرير ذلك - إن شاء الله - في آخر الباب.


(١) المصدر المذكور.
(٢) "الفتح" (١٣/٣٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>