للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما اجتمعوا قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ما حديث بلغني عنكم؟)) .

فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا، حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر، أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وتذهبون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به)) قالوا: يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ستجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض)) (١) .

وله ألفاظ وروايات متعددة، من رواية أنس وغيره.

والأثرة: اختصاص غيرهم واستبدادهم بما يستحقونه هم، والمعنى: أن الناس يختصون بالدنيا، ويستأثرون بها، دون الأنصار، مع استحقاق الأنصار لها وهم الذين اجتمعوا على نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآووه إلى بلادهم، وعاقدوه على أن ينصروه، ويمنعوه مما يمنعون أنفسهم وأولادهم منه، فلنصرهم لله ورسوله سموا الأنصار، وهو أشرف أسمائهم وقد وقع لهم ما أخبرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك تقدير الحكيم العليم، حيث استأثر الناس عليهم بالدنيا، مع أنهم الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم، وهذا من فضل الله عليهم، حتى يجازيهم على أعمالهم الدرجات العالية في جنات عدن، فتظهر هناك فضيلتهم، ويغبطهم الناس الذين استأثروا عليهم بالدنيا أعظم غبطة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

قوله: ((جمعهم في قبة من أدم)) القبة: كل ما كان مقبباً، وفي الأصل


(١) انظر ((الفتح) (٨/٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>