للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما علموا بطلان قول أهل البدع: إن لقاء الله هو لقاء بعض مخلوقاته.

وعلى قولهم، فليس في اللفظ ما يدل على تعيين مخلوق دون مخلوق، فإذا قالوا: إن لقاء الله هو الجنة، أو النار، جاز أن يقال: بل هو بعض ملائكته أو بعض الشياطين، أو غير ذلك، إذ ليس دلالة اللفظ على تعيين هذا بأولى من دلالته على تعيين هذا، فبطل قولهم.

الوجه السابع: أن لقاء الله لم يستعمل في لقاء غيره، لا حقيقة ولا مجازاً، بل وفي المخلوق كذلك، فلا يقال: لقيت زيداً، وأنت تريد عمراً.

الوجه الثامن: النصوص الكثيرة التي تفرق بين لقاء الله، وثوابه وجزائه، كقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} (١) ، فلو كان لقاؤه هو لقاء جزائه، لكان هو الأجر الكريم، ولا يحسن أن يخبر بأنه أعده لهم بعد ما حصل لهم؛ لأنهم لقوه، فلقاؤه وسيلة، وإعداد الأجر الكريم مقصود، فكيف يخبر بالوسيلة بعد حصول المقصود.

ومثل هذا يصان عنه كلام أوسط الناس، فضلاً عن كلام رب العالمين، ولا سيما وقد قرن اللقاء بالتحية، التي لا تكون إلا في اللقاء.

الوجه التاسع: ما في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)) (٢) ، فلو كان لقاء الله هو جزاءه، لامتنع أن يحب جزاء عبده، ويكره جزاء آخر.

والله تعالى لا يكره جزاء عباده بما يستحقون، بل يحب ذلك، ولا يجزيهم إلا بما يستحقون، والجزاء لا يلقاه الله - تعالى -، ودلائل بطلان هذا القول


(١) الآية ٤٤ من سورة الأحزاب.
(٢) رواه البخاري، انظر ((الفتح)) (١١/٣٥٧) في الرقاق، ورواه مسلم في ((الذكر والدعاء)) (٤/٢٠٦٥، ٢٠٦٦، ٢٠٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>