للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} ، ثم قوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} تنبيه على أن قولهم مخلوق، وقوله: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ} يعني: بقراءتك، دل على أنها فعله، وقوله:: ((من لم يتغن بالقرآن)) فأضاف التغني إليه، دل على أن القراءة فعل القارئ)) (١) .

قوله: ((يتخافتون)) : يتسارون، بيان لقوله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} (٢) بأن المخافتة من الإسرار، وذلك من أعمالهم.

******

١٥١- قال: ((حدثني عمرو بن زرارة، عن هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِت بِهاَ} قال: نزلت، ورسول الله مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ} أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلاَ تُخَافِت بِهاَ} عن أصحابك فلا تسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} .

- حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: نزلت هذه الآية: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِت بِهاَ} في الدعاء.

فقوله: {وَلاَ تَجهَر بِصَلاَتِكَ} واضح في أن المقصود القراءة، وأن الجهر فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وكذا الإخفات الذي نهي عنه، ومثلهما التوسط بينهما، كل ذلك فعله، فلذلك صح أن ينهى عنه، ولا يقول أحد بأن النهي عن القرآن، أو عن الصلاة.

وبينه بقوله: ((فكان إذا صلىبأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن جاء به)) فنهاه الله – تعالى – عن رفع الصوت به؛ لئلا يسبه المشركون، كما نهاه عن الإسرار به؛ لئلا يخفى على أصحابه، وأمره بأن يقرأه قراءة يسمع بها أصحابه الذين معه، ولا يسمعه المشركون الذين


(١) ((المتوارى)) (ص٤٢٨) .
(٢) الآية ١٠٣ من سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>