للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوحى إلى داود: ابن لي بيتاً. فقال: يا رب أين؟ قال: حيث ترى الملك شاهراً سيفه! فرأى داود ملكاً على الصخرة بيده سيف، فبنى هناك، ولما فرغ سليمان من بنائها أوحى الله تعالى إليه: سلني أعطك! فقال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي! فقال: لك ذلك! قال: وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه، وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد! فقال: لك ذلك! قال: وأسألك لمن جاءه فقيراً أن تغنيه! قال: ولك ذلك! قال: وأسألك إن جاءه سقيماً أن تشفيه! قال: ولك ذلك.

وعن ابن عباس: البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء، وما فيه موضع شبر إلا وصلى فيه نبي أو قام فيه ملك.

واتخذ سليمان فيها أشياء عجيبة: منها قبة، وهي قبة كانت فيها سلسلة معلقة ينالها المحق ولا ينالها المبطل حتى اضمحلت بالحيلة المعروفة، ومنها أنه بنى فيها بيتاً وأحكمه وصقله، فإذا دخله الورع والفاجر كان خيال الورع في الحائط أبيض، وخيال الفاجر أسود.

ومنها أنه نصب في زاوية عصا آبنوس، من زعم صادقاً أنه من أولاد الأنبياء ومسها لم يضره، وإن لم يكن من أولاد الأنبياء إذا مسها احترقت يده.

ثم ضرب الدهر ضربانه واستولت عليها الجبابرة وخربوها، فاجتاز بها عزير، عليه السلام، فرآها خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وقد عمرها ملك من ملوك الفرس اسمه كوشك، فصارت أعمر مما كانت وأكثر أهلاً، والتي عليها الآن أرضها وضياعها جبال شاهقة، وليس بقربها أرض وطئة، وزروعها على أطراف الجبال بالفؤوس لأن الدواب لا عمل لها هناك.

وأما نفس المدينة ففي فضاء في وسط ذلك، وأرضها كلها حجر، وفيها عمارات كثيرة حسنة، وشرب أهلها من ماء المطر. ليس فيها دار إلا وفيها صهريج. مياهها تجتمع من الدروب، ودروبها حجرية ليست كثيرة الدنس، لكن مياهها

<<  <   >  >>