للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهل جرجانية كلهم معتزلة، والغالب عليهم ممارسة علم الكلام حتى في الأسواق والدروب يناظرون من غير تعصب بارد في علم الكلام. وإذا رأوا من أحد التعصب أنكروا عليه كلهم وقالوا: ليس لك إلا الغلبة بالحجة، وإياك وفعل الجهال! وأهلها أهل الصناعات الدقيقة كالحداد والنجار وغيرهما، فإنهم يبالغون في التدقيق في صناعاتهم، والسكاكون يعملون الآلات من العاج والآبنوس، لا يعمل في غير خوارزم إلا بقرية يقال لها طرق من أعمال أصفهان. ونساؤها يعملون بالإبرة صناعات مليحة كالخياطة والتطريز والأعمال الدقيقة.

وحكي أن السبب في بناء هذه المدينة أن بعض الملوك غضب على جمع من أصحاب مملكته، فأمر بنفيهم إلى موضع بعيد عن العمارات، فنفوهم إلى هذا المكان وتركوهم، وكان موضعاً منقطعاً عن البلاد لا زرع به ولا ضرع. فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم عند الملك، فأمر بكشف خبرهم فجاؤوا إليهم فوجدوهم قد بنوا أكواخاً ويتقوتون بصيد السمك، وكان عندهم حطب كثير فقالوا لهم: كيف حالكم؟ قالوا: لنا هذا السمك وهذا الحطب. فسمي الموضع خوارزم لأن بلغتهم خوار اللحم ورزم الحطب، فبعث الملك إليهم أربعمائة جارية من سبي الترك على عدد الرجال المنفيين، فتوالدوا وتناسلوا فلهذا ترى صورهم صور الأتراك وطباعهم طباع الترك. وفيهم جلادة وقوة فعمروا ذلك الموضع حتى صار من أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها عمارة، حتى لم ير بها خراب، فإنها معما هي عليه من سباخة أرضها وكثرة برودها متصلة العمارة متقاربة القرى، كثيرة القصور والبيوت، وقلما يقع النظر في رستاقها على أرض لا عمارة فيها، هذا مع كثرة الأشجار.

والغالب عليها التوت والخلاف لأجل دود القز، فإن لهم يداً باسطة في تربيتها، والخلاف لأجل العمارات، فإن عماراتهم من الاخصاص والخلاف لأن أرضها كثيرة النزور لا تحتمل البناء الثقيل؛ فإن الماء ينبع إذا حفرت ذراعين.

<<  <   >  >>