للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وادَهْراهُ! وَأنا الدَّهرُ» . وَرَوَى البَيْهقِيُّ: «لا تَسُبوا الدَّهرَ، قال الله عز وجل: أنا الأيّامُ والليالِي، أجَدِّدُها وأبلْيها، وآتي بِمُلوكٍ بعدَ مُلوكٍ» . ومَعْنى ذَلِكَ أنَّ الله تَعالى هو الآتي بالحوادِثِ، فَإِذا سَبَبْتُمُ الدَّهرَ على أنَّهُ فاعِل، وَقَعَ السَّبُّ عَلى الله عز وجل.

{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٤] أيْ: لَيسَ لَهم بِما ذُكِرَ مِنْ قَصْرِ الحياةِ على ما فِي الدُّنيا وَنسْبَة الإِهلاكِ إلى الدَّهرِ عِلم مُسْتَنِد إلى عَقْلٍ أو نَقْلٍ {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤] أيْ ما هُم إلا قَوم قُصارَى أمرِهِم الظَّنُّ والتقليدُ مِنْ غَيْرِ أنْ يَكونَ لَهُم ما يَصِحُّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ في الجُمْلَة. وقَدْ ذَكَرْنَا في غَيْرِ هذا المَوْضِع ما يَتَعَلَّقُ بالدَّهْرِيينَ، والمقصودُ أنَّ يقول بِإِسنادِ الحوادِثِ إلى غيرِ الله تَعالى كالدَّهرِ، فَذلك ليسَ لَهُ مستندٌ عقلَيّ وَلاَ نَقْلِيٌّ، بَل هو مَحْضُ جَهْلٍ، وقائِلُهُ جاهلٌ في أيِّ عَصْرٍ كانَ. ولأهل زماننا حظ وافر من هذا الاعتقاد الباطل. والله المستعان.

[إضافة نعم الله إلى غيره]

إضافة نعم الله إلى غيره (السابعة والثلاثون) : إضافةُ نِعَمِ الله إلى غيرِهِ، قال الله تَعالى في سورةِ [النَّحْلِ: ٨٣] : {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: ٨٣] وقدْ عَدَّدَ الله تَعالى نِعَمَهُ على عِباده في هذهِ السُّورةِ [٧٨: ٨٠] إلي أنْ قالَ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ - يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: ٨١ - ٨٣] فقوله {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: ٨٣] إلِخ اسْتِئناف لِبيانِ أنَّ تَولي المُشرِكينَ وإعراضَهم عن الإِسلامِ لَيْسَ لِعَدَمِ مَعْرِفتِهِم نِعمةَ الله سُبْحانَه وَتَعالى أصلا، فإِنِّهم يَعرِفون أنِّها مِن الله تَعالى، ثُمَّ يُنْكِرونَها بأفعالِهِم، حيثُ لم يُفْردوا مُنْعِمَها بالعِبادةِ، فَكَأنَهم لمْ يَعْبُدوه سُبحانه وَتَعالى أصْلا، وذَلِكَ كُفْران مُنَزَّل مَنْزِلَةَ الإِنكارَ. وأخرجَ ابنُ جريرٍ وغيرهُ عَنْ مُجاهِدٍ أنه قَالَ: إنكارُهُم إيَّاها قولُهم: وَرِثْناها مِن آبائِنا وأخرجَ هو وغيرُهُ أيْضًا عن عونِ بنِ عبدِ اللهِ أنه قالَ: إنكارُهم إيَّاها أنْ يقولَ الرَّجُلُ: لَوْلا فلانٌ أصابَني

<<  <  ج: ص:  >  >>