للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام في الدين بلا علم]

الكلام في الدين بلا علم قال الشيخ: (الرابعة والأربعون) الكَلامُ في الدِّين بِلا عِلْمٍ، أقولُ: أجْمَلَ الشَّيخُ رحمه الله تعالى الكَلام في هذهِ المسألة كُلَّ الإِجمالِ كَما فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ في كَثيرٍ مِنَ المَسائِلِ، وما أحَقَّها بِالتفصيلِ. وَذَلِكَ أنَّ أهلَ الجاهِلِيةِ مِنَ العَرَبِ وغيرِهِم مِنَ الكِتابِيِّينَ شَرَعوا في الدِّينِ ما لَم يَأذَنْ بِهِ الله، أمَّا العَرَبُ فقد كانَ الكثيرُ مِنهُم على دين إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهم السلام إلى أنْ ظَهَرَ فِيهِمُ الخُزاعِيُّ (١) فَغَيَّرَ وَبَدَّلَ، وابْتَدَعَ بِدَعًا كَثيرةً، وَأغْرى العَرَبَ عَلى عِبادةِ الأصنامِ، وَبَحَرَ البَحيرَةَ، وَحَمى الحام، واسْتَقْسَمَ بِالأزلامِ، إلى غيرِ ذَلِكَ مِمَّا فَصلْناه في غيرِ هَذَا الموضِع. وإنْ شِئْتَ أنْ تَعْرِفَ جَهْلَ العَرَبِ، وما ابْتَدَعوهُ فاقْرأْ سورةَ الأنعامِ فَإِنَّ فيها كَثيرًا مِن ضَلالاتِهم ومُبْتَدَعاتِهم.

وأمَّا الجاهِلِيُّونَ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى، فَقَدِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَذَلِكَ أنَّ أحبارَهم ورُهبانَهمُ ابْتَدَعوا لَهُم في الدِّينِ بدَعًا، وَحَلَّلوا وَحَرَّموا ما اشْتَهَتْهُ أنْفسُهُم، فَقَبِلوا ذَلِكَ مِنهم وأطاعوهُم عليه، مع أنَّ الدِّينَ إنِّما يَكونُ بِتشريعِ الله ووحْيِهِ إلى أنْبيائِهِ ورُسُلِهِ عليهم السلام، ولا يَكونُ بِآراءِ الرِّجالِ وبِحَسَبِ أهْوائِهِمْ، فَكُلُّ ما لا دَليلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتابٍ ولا سُنَّةٍ مَرْدودٌ على صاحِبهِ. وَقَدْ ذَمَّ الله تَعالى اليَهود عَلى مِثل ذَلِكَ فَقَال عَزَّ اسْمُهُ في سورةِ [آلِ عِمرانَ: ٧٨] ، {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧٨] فَمَنْ أوَّلَ نُصوصَ الكِتابِ والسُّنَّة على حَسَبِ شَهَواتِهِ وبِمُقْتَضى هَواهُ فَهو أيْضًا مِنْ قَبيلِ الذينَ يَلْوونَ ألْسِنَتَهُمْ بِالكِتابِ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اليومَ كَثيرٌ مِن كُتُب الشَّريعَةِ مِنَ الآراءِ التي لَيْسَ لَها مُسْتند مِنْ دَلائِلِ الشَّريعَةِ. فإلى الله المُشْتكىَ مِنْ صَوْلَةِ الباطِلِ وخُمولِ الحَقِّ.


(١) وهو عمرو بن لحي وكان الحجازيون ربا في امتثال أمره وطاعته والانتهاء عما ينهى عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>