للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِبْلٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ خَطَّابٍ، قَالَ: تَذَاكَرَ النَّاسُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخَذُوا فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بَكَى بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى أُغِميَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمةُ لَائِمٍ، رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ وَأَقَامَ حُدُودَ اللَّهِ كَمَا أُمِرَ، لَمْ يَزْدَجِرْ عَنِ الْقَرِيبِ لِقَرَابَتِهِ، وَلَمْ يَحِفَّ عَنِ الْبَعِيدِ لِبُعْدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ، وَقَدْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى وَلَدِهِ، فَقَتَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ بَكَى، وَبَكَى النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ، فَقُلْنَا: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنَا كَيْفَ أَقَامَ عُمَرُ عَلَى وَلَدِهِ الْحَدَّ.

فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْكَرْتُمُونِي شَيْئًا كُنْتُ لَهُ نَاسِيًا، فَقُلْنَا: أَقْسَمْنَا عَلَيْكَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى بِمَا حَدَّثْتَنَا، فَقَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، " كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، يَعِظُهُمْ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِذَا نَحْنُ بِجَارِيَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ تَتَخَطَّى رِقَابَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حَتَّى وَقَفَتْ بِإِزَاءِ عُمَرَ، فَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَعَلَيْكِ السَّلَامُ يَا أَمَةَ اللَّهِ، هَلْ لَكِ حَاجَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَعْظَمُ الْحَوَائِجِ إِلَيْكَ، خُذْ وَلَدَكَ هَذَا مِنِّي، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ.

ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِنَاعَ، فَإِذَا عَلَى يَدِهَا طِفْلٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ، قَالَ: يَا أَمَةَ اللَّهِ، أَسْفِرِي عَنْ وَجْهِكِ، فَأَسْفَرَتْ، فَأَطْرَقَ عُمَرُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، يَا هَذِهِ، أَنَا لَا أَعْرِفُكِ، فَكْيَفَ يَكُونُ هَذَا وَلَدِي؟ فَبَكَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى بُلَّ خِمَارُهَا بِالدُّمُوعِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>