للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بم يتفاضلون الأنبياء والرسل؟ (١) :

الذي يتأمل في الآيتين اللتين أخبرتا بتفاضل الأنبياء والرسل يجد أن الله فضّل مَن فضّل منهم بإعطائه خيراً لم يعطه غيره، أو برفع درجته فوق درجة غيره، أو باجتهاده في عبادة الله والدعوة إليه، وقيامه بالأمر الذي وكل إليه.

فداود عليه السلام فضله الله بإعطائه الزبور، (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [الإسراء: ٥٥] ، وأعطى الله موسى التوراة (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة: ٥٣] والكتاب هو التوراة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) [المائدة: ٤٤] وأعطى عيسى الإنجيل (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) [المائدة: ٤٦] .

وقد اختص الله آدم بأنّه " أبو البشر، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له ".

وفضل نوحاً بأنّه " أوّل الرسل إلى أهل الأرض، وسمّاه الله عبداً شكوراً ".

وفضل إبراهيم باتخاذه خليلاً (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: ١٢٥] وجعله للناس إماماً (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة: ١٢٤] .

وفضل الله موسى برسالاته وبكلامه، (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي


(١) الأنبياء والرسل يتفاوتون في الفضل كما بينا هنا بتفضيل الله لهم، وبما أعطاهم إياه من خير، وبعض الناس ينسبون إلى الأنبياء والرسل أموراً يظنون أنهم يعظمونهم بها فيخرجون عن دائرة الصدق والعدل، فمن ذلك دعاء كثير من المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم قائلين: " يا أول خلق الله، يا نور عرشه الله "، وهذا القول جمع أنواعاً من الضلال، منها دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونداءه، وهذا لا ينبغي إلا لله فهو المدعو دون سواه. ومنها الإدعاء بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأنه أول خلق الله، وهذا لا برهان عليه إلا أحاديث باطلة لم يصح إسنادها، فأول ما خلق الله القلم الذي كتب مقادير كل شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق مما خلق منه البشر، وكونه مخلوقاً مما خلق منه البشر وأنه في آخر الخلق لا يضيره، فالمخلوقات لا تتفاضل باعتبار ما خلقت منه فقط، فقد يخلق المؤمن من كافر، والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وإبراهيم من آزر، وأدم خلقه الله من طين، فلما سوّاه، ونفخ فيه من روحه - أسجد له ملائكته وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء، وبخلقه إياه بيده.

<<  <   >  >>