للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويرى أن الحقيقة الإلهية لم تتجل للناس مرة واحدة، يقول: " فالرجوع إلى أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولى لا يدلّ على بطلان التدين، ولا على أنها تبحث عن محال، كل ما يدلّ عليه أنّ الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد ".

ثم أخذ يستعرض آراء الباحثين في تاريخ العقيدة، فمنهم من يرى أنّ السبب في نشأة العقيدة هو ضعف الإنسان بين مظاهر الكون وأعدائه من قوى الطبيعة والأحياء، ... وبعضهم يرى أن العقيدة الدينية حالة مرضية في الآحاد والجماعات، ويرى بعضهم أن أصل العقيدة الدينية عبادة ((الطوطم)) ، كأن تتخذ بعض القبائل حيواناً (طوطمياً) تزعمه أباً لها. وقد يكون شجراً أو حجراً يقدسونه، إلى آخر تلك الفروض التي قامت في أذهان الباحثين الغربيين.

ومع الأسف فقد سرت هذه النظرية (١) إلى كثير من الكتّاب، واعتنقها جملة من الدارسين (٢) ، والذي أوقع هؤلاء في هذا الخطأ أمور:

الأول: أنهم قدّروا أن الإنسان الأول خُلق خلقاً ناقصاً، غير مؤهل لأن يتلقى الحقائق العظمى كاملة، بل إن تصوراتهم عن الإنسان الأول تجعله أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان.

الثاني: أنهم ظنوا أن الإنسان اهتدى إلى العقيدة بنفسه بدون معلم يعلمه، ومرشد يوضح له. فما دام الأمر كذلك فلا بد أن يترقى في معرفته بالله كما ترقى في العلوم والصناعات.

الثالث: أنهم عندما بحثوا في الأديان ليتبينوا تاريخها لم يجدوا أمامهم إلا تلك الأديان المحرفة أو الضالة، فجعلوها ميدان بحثهم، فأخضعوها للدراسة والتمحيص، وأنى لهم أن يعرفوا الحقيقة من تلك الأديان التي تمثل انحراف الإنسان في فهم العقيدة.


(١) ممن جنح إلى القول بهذه النظرية مصطفى محمود في كتابه (الله) .
(٢) لست أدري أي عقيدة هذه التي تطورت، أهي العقيدة اليهودية المحرفة، أم النصرانية المبدلة، أم عقيدة الفلاسفة ... إن هذه العقائد لا تمثل إلا انحرافات عقائدية، ولا تمثل العقيدة السليمة.

<<  <   >  >>