للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الرّب عند الرومان (١)

يعد الباحثون الرومان من الأمم المتحضرة في القديم، فلننظر إلى عقيدة هذه الأمة الضالة. يزعمون أنّ ((جوبيتر)) هو ربّ الأرباب عندهم، وكانت صورته عندهم أقرب إلى صورة الشيطان منها إلى صورة الأرباب المنزهين، فقد كان حقوداً لدوداً مشغولاً بشهوات الطعام والغرام، لا يبالي من شؤون الأرباب والمخلوقات إلا ما يعينه على حفظ سلطانه والتمادي في طغيانه، وكان يغضب على ((أسقولاب)) إله الطب، لأنّه يداوي المرضى، فيحرمه جباية الضريبة على أرواح الموتى الذين ينتقلون من ظهر الأرض إلى باطن الهاوية.

ويزعمون أنه كان يغضب على ((برومثيوس)) إله المعرفة والصناعة، لأنّه يعلّم الإنسان أن يستخدم النّار في الصناعة، وأن يتخذ من المعرفة قوة تضارع قوة الأرباب، وقد حكم عليه بالعقاب الدائم، فلم يقنع بموته ولا بإِقصائه عن حظيرة الآلهة، بل تفنن في اختراع ألوان العذاب له، فقيّده إلى جبل سحيق، وأرسل عليه جوارح الطير تنهش كبده طوال النهار، حتى إذا جنّ الليل عادت سليمة في بدنه، لتعود الجوارح إلى نهشها بعد مطلع الشمس ... ، ولا يزال هكذا دواليك في العذاب الدائم مردود الشفاعة مرفوض الدعاء.

ومما تخيله الشاعر الوثني الفيلسوف ((هزيود)) عن علة غضب الإله على ((برومثيوس)) : أنّه قسم له نصيبه من الطعام في وليمة الأرباب، فأكثر فيه من العظام، وأقل فيه من اللحوم والشحوم، فاعتقد ((جوبيتر)) أنه تعالى عليه بمعرفته وحكمته وفطنته، لأنه اشتهر بين الآلهة بمعرفة وافرة وفطنة نافذة لم يشتهر بها الإله الكبير.

وقد اجتهد (هزيود) الشاعر الفيلسوف قصارى اجتهاده في تنزيه


(١) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.

<<  <   >  >>