للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إقراض المضارب والشريك قرضا حسنا]

المصدر: فتاوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني سؤال رقم (٣٥)

السؤال:

الرجاء إفتاؤنا فيما يلي: تقدم إلينا عضو في مجلس إدارة البنك بالسؤال الآتي: (إذا منحت مالا لشخص ما ليقوم باستثماره لي بغرض الربح فهل يجوز له أن يقرض هذا المال لشخص آخر قرضا حسنا) ؟ إن كانت الإجابة لا فهل يجوز للبنك أن يقرض الأموال التي وضعها فيه المساهمون والمستثمرون بغرض الاستثمار والربح كقروض حسنة؟

الجواب:

يتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للشريك المأذون إذنا عاما في استثمار الأموال أن يزاول كل ما يضر بالعمل التجاري لأن الشركة تنعقد على التجارة والربح من أغراضها وكل ما يخرج عن أعمال التجارة وأغراضها فلا يجوز للشريك عمله فليس له التبرع بمال الشركة أو المحاباة أو الإقراض انظر المغني وتبين المادة ١٢٨٢ من مجلة الأحكام العدلية حدود الإذن العام للشريك ونصها كالآتي

(إذا فوض أحد الشريكين أمور الشركة إلى رأي الآخر قائلا اعمل برأيك أو اعمل ما تريد فله أن يعمل كل شيء من توابع التجارة فيجوز له أن يرهن مال الشركة أو الارتهان لأجلها والسفر بمال الشركة وخلط مال الشركة بماله وعقد الشركة مع آخر لكن لا يجوز له إتلاف المال ولا التمليك بغير عوض إلا بصريح إذن شريكه مثلا لا يجوز له أن يقرض من مال الشركة ولا أن يهب منه إلا بصريح إذن شريكه)

وينطبق هذا الحكم على المضاربة إذ تنص المادة ١٤١٦ من المجلة على ما يلي: (إذا كان رب المال في المضاربة المطلقة قد فوض إلى رأي المضارب أمور المضاربة قائلا له اعمل برأيك يكون المضارب مأذونا بخلط مال المضاربة بماله وبإعطائه مضاربة على كل حال لكن في هذه الصور لا يكون مأذونا بالهبة والإقراض من مال المضاربة ولا بالدخول تحت الدين لأكثر من رأس المال بل إجراء هذه الأمور موقوف على صريح الأذن من رب المال

ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذه الأحكام التي تخضع لها تصرفات الشريك أو المضارب ويقول ابن جزى المالكي إن ما يفعله أحد الشريكين من معروف ويعني بذلك الدين أو التبرع فهو في نصيبه خاصة إلا أن يكون مما ترجى به منفعة في التجارة كضيافة التجارة وشبه ذلك)

ويقول في صفحة ٣١٠ (وليس للشريك أن يأتمن على المال أحدا ولا يودعه ولا يشارك فيه ولا يدفعه قراضا فإن فعل شيئا من ذلك فهو ضامن) ولا خلاف في أنه يجوز للشريك الإقراض والهبة وكل عمل لا يدخل في الإذن العام من أعمال التجارة إذا كان مأذونا إذنا صريحا في ذلك من الشريك أو رب المال ولكن هل يجوز له إقراض هذه الأموال قرضا حسنا كما جاء في الاستفسار؟

وتمشيا مع ما تقرر من أحكام فلا يجوز للبنك الإقراض من هذه الأموال إلا بأذن صريح من المساهمين أو المستثمرين فهل البنك مأذون في ذلك؟ إن عقد التأسيس الذي يبين الأغراض الأساسية التي قام البنك من أجل تحقيقها قد نص في الفقرة (ل) على ما يلي:

(يجوز للبنك إعطاء القروض الحسنة حسب النظم والأسس التي يوافق عليها مجلس الإدارة) فالقرض الحسن إذن مأذون فيه من المساهمين ومن المستثمرين أيضا وفقا لأحكام عقد التأسيس التي تركت لمجلس الإدارة تحديد الأسس وبيان النظم التي تمنح بموجبها القروض الحسنة إن القرض في تعريف الفقهاء فعل من أفعال الخير ومعروف يسدى وإرفاق بذوي الحاجة من المعوزين وتفريج عن ضائقتهم وقد رغبت كثير من أحاديث رسول الله في إقراض المعوزين وسد حاجتهم وجعلت للقرض الحسن أجر الصدقة إن كان حسنا في الباعث عليه وحسنا في اقتضائه ولا غرابة أن ينص عقد تأسيس البنك الإسلامي على جواز منح القروض الحسنة

لأن البنوك الإسلامية قامت لمحاربة الربا في كل صوره وقد كان القرض من أهم وسائل الربا وأكثرها شيوعا في المجتمع وأن محاربة الربا تكون أكثر إيجابية إذا فتحت البنوك الإسلامية الأبواب للقرض الحسن لدفع الحاجة وتفريج الضائقة إذا توفرت الضمانات لاسترداد القرض على أننا ورغم تعميم نص الفقرة (ل) نرى أن تقوم الأسس التي يضعها مجلس الإدارة على إعطاء الأولوية للقروض الاستهلاكية التي تدعو إليها الحاجة الملحة أما القروض الإنتاجية التي تمنح بغرض الاستثمار في الأعمال التجارية فنرى أن من مصلحة المساهمين والمستثمرين أن يشارك البنك في أرباحها بكل أنواع المشاركة المشروعة

المصدر: كتاب - الفتاوى الإسلامية في الاقتصاد - الأهرام الاقتصادي فتوى رقم (٥٩)

السؤال:

شركة استثمارية تستثمر أموالها فقط فيما أباحه الله تعالى في أوجه الاستثمار وقد نظمت طريقها إلى ذلك بأن أصدرت صكوك مضاربة بين أطراف الشركة على أن توزع أرباحها بين المشتركين بنسبة حصة كل منهم ورأت تدعيما للشركة أن تأذن للمشتركين وغيرهم بأن يضموا إلى الشركة زيادة على رأس المال أمانات مأذونا للشركة في استثمارها على أن ترد هذه الأمانات إلى أهلها عند طلبها

وعلى هذا الأساس قسمت صكوك الشركة إلى جزئين: صك مضاربة وصك أمانة اختياري فأما صك المضاربة: فيقوم على أساس مشاركة بين صاحب المال والعمل حسب قواعد المضاربة في الشريعة الإسلامية ويجرى عليها قاعدة الغرم بالغنم عند توزيع الأرباح

أما صك الأمانة المأذون باستثماره سواء أكان لمدة معلومة أو غير معلومة فترد لصاحبها عند طلبه ولا يجرى عليها أي غرم ولا أي ربح - وكل ما هناك أن ضم هذه الأمانة للشركة سيزيد من رأس مالها وبالتالي قد يزيد من أرباحها وقد قرر المودع أن ما قد يؤول من عائد نتيجة استثمار وديعته التي أذن باستثمارها هو من حق الشركة تتصرف فيه بمعرفتها إذ ليس للمودع إلا رأس ماله فقط دون ربح أو خسارة هذا علاوة على أن هذا المال المودع له الحق في سحبه وهي مزية لا تتوافر للمشارك

وعلى هذا الأساس أصدرت هذه الشركة الإسلامية للاستثمار صكوكا ذات جزئين: أحدهما ممثل المضاربة في الشركة والآخر صك أمانة اختياري وطلب السائل بيان حكم الشريعة الإسلامية الغراء في هذه الشركة؟

الجواب:

عن الشق الأول: المضاربة شرعا عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الشريكين وعمل من الآخر ولا مضاربة بدون ذلك لأنها بشرط الربح لرب المال بضاعة وللمضارب قرض إذا كان المال بينهما تكون شركة عقد وركنها إيجاب وقبول

ومن شروط صحتها أن تكون بالمال ولا تصح فيه إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة ولا تجوز فيما سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر (الذهب غير المضروب) والنقرة (الفضة غير المضروبة)

وأن يكون الربح المشروط بينهما لاحتمال أن لا يحصل من الربح إلا قدر ما شرط له

ولا بد أن يكون المال مسلما للمضارب ليتمكن من التصرف وأن يكون لا يد لرب المال فيه بأن لا يشترط عمل رب المال لأنه يمنع خلوص يد المضارب وأن يكون رأس المال معلوما بالتسمية أو الإشارة

فإن تحققت هذه الشروط في المضاربة المسئول عنها في الشركة الاستثمارية المذكورة مع بقية شروط المضاربة المنصوص عليها في كتب الفقه كانت المضاربة صحيحة شرعا وإن لم تتحقق فيها هذه الشروط كانت فاسدة شرعا عن الشق الثاني: الأمانة والوديعة وهما بمعنى واحد لاشتراكهما في الحكم

والوديعة شرعا تسليط الغير على حفظ ماله وهي أيضا اسم لما يحفظه المودع وصك الأمانة المسئول عنه في هذه الشركة الاستثمارية أخرجه عن الأمانة وعن الوديعة ولا ينطبق عليه شرعا والحالة هذه يطلق عليها اسم العارية في مذهب الحنفية إذ أن العارية شرعا تمليك المنافع بغير عوض وقد نص على العارية في الدراهم والدنانير والمكيل والموزون عند الاطلاق قرض لأن الإعارة تمليك المنافع ولا يمكن الانتفاع إلا باستهلاك عينها فاقتضى تمليك العين ضرورة وذلك بالهبة أو القرض والقرض أدناها فيثبت ولأن من قضية الإعارة الانتفاع ورد العين فأقيم رد المثل مقامه بهذه الصفقة أي أن هذه الإعارة تؤول شرعا بالصفة المذكورة إلى أنها قرض ;

وعلى هذا يؤول صك الأمانة على الوجه الوارد بالسؤال في هذه الشركة إلى قرض شرعي لم يشترط فيه زيادة عند الرد فإذا كان كذلك ولم يجر نفعا للمقرض يكون هذا التصرف والحالة هذه جائزا شرعا ونري أن يسمى الصك الثاني بصك القرض الحسن (أي بدون فائدة) ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤالين وهو الجواز شرعا متى تحققت الشروط الشرعية المنصوص عليها في المضاربة ولم يجر صك القرض إلى نفع

<<  <  ج: ص:  >  >>