للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الشركة تشكيل النص]

الشركة - بفتح الشين وكسر الراء , أو بكسر الشين وسكون الراء - هي اسم مصدر شرك.

يقال شركت فلانا في الأمر شركا وشركة أي كان لكل منهما نصيب منه فهو شريك.

فالمعنى اللغوي للشركة هو الاختلاط أو الخلط بين المالين أو النصيبين.

أما في الاصطلاح , فالشركة يختلف معناها حسب التوسع في مفهومها أو التضييق فيها وتشمل الشركة بالمفهوم الواسع شركة الإباحة , وشركة الملك وشركة العقد.

وشركة العقد هي التي عناها الفقهاء عند إطلاق لفظ الشركة ويعنون بها شركة التجارة لأنها الشركة التي تنشأ بالعقد بين الطرفين.

شركة الإباحة

تسمى شركة الإباحة في القانون الوضعي الملك العام أو الأشياء العامة.

وهي تعني اشتراك جميع الناس (العامة) في حق تملك الأشياء المباحة التي ليست في الأصل ملكا لأحد.

والأصل في شركة الإباحة قوله تعالى:

{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} (البقرة: ٢٩)

{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} (الجاثية: ١٣)

{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} (المائدة: ٩٦)

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار.

وتتناول شركة الإباحة الأشياء العامة التي يشترك جميع الناس في ملكيتها , وأباح لهم الشارع استعمالها أو استهلاكها وهي:

(أ) الماء ويشمل ماء البحر وماء الأودية العظيمة كنهر النيل ودجلة والفرات والأردن وغيرها , وماء الأودية الخاصة بقرية أو مدينة , وماء العيون والآبار في الأرض غير المملوكة لأحد.

(ب) الكلأ وهو الحشيش أو العشب الذي ينبت في أرض غير مملوكة والنبات الذي ينبت بنفسه في أرض مملوكة ما لم يقطعه إنسان.

(ج) النار ويراد بها الحطب الذي يحطبه الناس , وكل ما ينتفع به استضاءة واستدفاء واصطلاء.

(د) المعادن التي لا تنقطع كالملح والنفط ومشتقاته , والكبريت وأحجار الرحا والرخام والكحل والياقوت وغيرها.

(٥) المرافق العامة أو الانتفاعات المشتركة التي تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالشوارع والمساجد والرباطات , ومجتمع النادي ومرتكض الخيل , وملعب الصبيان , ومناخ الإبل , والملاعب والحدائق والمنتزهات العامة , ومدن الرياضة ودور الحكومة , ومدارس الدولة ومستشفياتها وملاجئها وأشباه ذلك.

شركة الملك

تسمى شركة الملك في القانون الوضعي الشيوع.

وهي تعني أن يكون الشيء مشتركا بين اثنين أو أكثر بحيث يختلط النصيبان بشكل لا يتميز أحدهما عن الآخر , ويكون ذلك بأي سبب من أسباب التملك سواء أكان بالاختيار أو الجبر.

فتنقسم شركة الملك عند جمهور الفقهاء إلى قسمين:

شركة جبر: وهي التي تحصل بغير فعل الشركاء , وهي حالة الإرث التي يرث فيها شخصان شيئا فيكون الموروث مشتركا بينهما شركة ملك.

شركة اختيار: وهي التي تحصل بفعل الشريكين واختيارهما , مثل أن يشتريا شيئا أو يوهب لهما شيء أو يوصي لهما شيء فيقبلا , فيصير ذلك الشيء مشتركا بينهما شركة ملك اختيارية أي قائمة على رضاهما بالشركة.

ونورد بعض أحكام شركة الملك:

(أ) الأصل أن كل واحد من الشريكين أو الشركاء في شركة الملك أجنبي بالنسبة لنصيب الآخر.

لأن هذه الشركة لا تتضمن وكالة ما , ثم لا ملك لشريك ما في نصيب شريكه , ولا ولاية له عليه من أي طريق آخر. والمسوغ للتصرف إنما هو الملك أو الولاية وهذا ما لا يمكن تطرق الخلاف إليه.

(ب) ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التصرفات التعاقدية: كالبيع , والإجارة والإعارة وغيرها , إلا أن يكون ذلك بإذن شريكه هذا.

فإذا تعدى فآجر مثلا أو أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير , فلشريكه تضمينه حصته. وهذا أيضا مما لا خلاف فيه.

(ج) لكل شريك في شركة الملك أن يبيع نصيبه لشريكه , أو يخرجه إليه عن ملكه على أي نحو , ولو بوصية , إلا أن المشترك لا يوهب دون قسمة , ما لم يكن غير قابل لها وباستثناء حالة الضرر.

هذا ما قرره الحنفية , وهو في الجملة محل وفاق - إلا أن هبة المشاع سائغة عند جماهير أهل العلم بإطلاق كما قرره المالكية والشافعية والحنابلة.

والحنفية على أن هبه المشاع لا تجوز - بمعنى عدم إثبات ملك ناجز - فالهبة صحيحة , ولكن يتوقف الملك على الإفراز ثم التسليم.

شركة العقد

عرف الفقهاء شركة العقد تعريفات متعددة , وهي المقصودة عندهم عند إطلاق لفظ الشركة.

وقد خصص الفقهاء كتاب الشركة لشركة العقد دون بقية أنواع المشاركات كشركة الإباحة , بل إنهم لا يذكرون أحكام المضاربة والمزارعة والمساقاة عند ذكرهم كتاب الشركة بل يخصصون لها أبوابا وكتبا خاصة.

وقد حاول بعض العلماء المحدثين إعطاء تعريفات محددة للشركة , ولكنها لا تخرج عن تعريفات الفقهاء السابقين ويمكن في ضوء ذلك تعريف الشركة بأنها: عقد يتم بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في المال وربحه , وأن يكون إذن التصرف لهما , أو على الاشتراك على عمل بينهما والربح بينهما.

وبهذا التعريف تكون شركة العقد سواء على مال أو غيره , كما تخرج منها المضاربة والمساقاة ونحوهما.

والتمييز بين شركة العقد وشركة الملك في الفقه الإسلامي يظهر في أمرين:

(أ) الاشتراك في (الشيوع) يكون في الاستحقاق , والاشتراك في شركة العقد يكون في التصرف , فالشركاء في الشيوع يستحقون أنصباءهم في العين المشترك فيها أو في منفعتها , بينما في شركة العقد يتعاون الشركاء في التصرف وإدارة الشركة لإنجاحها , ولهذا كان من تعريفات شركة الملك: أنها اجتماع في استحقاق , وكان من تعريفات شركة العقد أنها اجتماع في التصرف.

(ب) شركة الشيوع تكون في الأعيان أما في رقبتها أو في منفعتها , ويتم ذلك أما عن طريق الجبر كالإرث وذلك بأن يموت شخص ويترك ثروة يشترك فيها الورثة , أو عن طريق رضا المتشاركين كأن يتفق شخصان أو أكثر على شراء دار لاستغلال منافعها.

بينما شركة العقد تقوم على الاشتراك بالنقدين , ولا تجوز بغيرهما إلا إذا قومت بالنقدين وعرف نصيب كل من الشركاء بالقيمة , وإذا تمت بالمثلي فلا بد من الخلط لتصبح شركة للملك أولا ثم تنشأ شركة العقد على المخلوط , وأما في الأعيان أو في منفعتها فلا يجوز أن ينشأ عليها شركة عقد أي من غير تقويم.

<<  <  ج: ص:  >  >>