للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

نعم إِن بعض كَلَام ابْن خلدون فِي حِكْمَة جعل الْخلَافَة فِي قُرَيْش صَحِيح وَهُوَ مكانتهم الْعليا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام الَّتِي لم ينازعهم فِيهَا أحد من الْعَرَب، وَأولى أَلا ينازعهم فِيهَا من يدين بِالْإِسْلَامِ من الْعَجم، وَذَلِكَ من أَسبَاب جمع الْكَلِمَة، وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الصّديق (رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) فِي احتجاجه على الْأَنْصَار، وَأما عصبية الْقُوَّة الحربية فَلم تكن عِلّة وَلَا جُزْء عِلّة لجعل الْخلَافَة فِي قُرَيْش. . لِأَن الْإِسْلَام قضى على هَذِه العصبية الْجَاهِلِيَّة - يعْتَرف ابْن خلدون كَغَيْرِهِ بذلك - فَلَا يُمكن أَن يَجْعَلهَا عِلّة من علل شَرعه القويم الَّذِي مَدَاره على جعل الْقُوَّة تَابِعَة للحق، خلافًا لسَائِر المبطلين من الْبشر الَّذين يجْعَلُونَ الْقُوَّة فَوق الْحق، فإمَّا أَن يكون تَابعا لَهَا، وَإِمَّا أَن تقضي عَلَيْهِ قبل أَن يقْضى عَلَيْهَا. .

وَبِهَذَا الْبَيَان الْوَجِيز يعلم سَائِر مَا فِي كَلَام ابْن خلدون من شوب الْبَاطِل بتحكيم قَاعِدَته فِي تَصْحِيح عمل مُعَاوِيَة حَتَّى فِي اسْتِخْلَاف يزِيد، وَجعله مُجْتَهدا مخطئا فِي قتال أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ كرم الله وَجهه، ومصيبا فِي اسْتِخْلَاف يزِيد الَّذِي أنكرهُ عَلَيْهِ أكبر عُلَمَاء الصَّحَابَة فنفذه بالخداع وَالْقُوَّة والرشوة، فَهُوَ يزْعم أَن مُعَاوِيَة كَانَ عَالما بقاعدته فِي أَن الْأُمُور الْعَامَّة لَا تتمّ إِلَّا بشوكة العصبية، وَبِأَن عصبية الْعَرَب كلهم قد انحصرت فِي قومه بني أُميَّة، وَأَن جعل الْخلَافَة شُورَى فِي أهل الْحل وَالْعقد من أهل الْعلم وَالْعَدَالَة والكفاية من وجهاء قُرَيْش غير بني أُميَّة لم يعد مُمكنا، وكل هَذَا بَاطِل. وَفِي كَلَام ابْن خلدون شَوَاهِد على بُطْلَانه، وَلَيْسَ من مقصدنا إطالة القَوْل فِي بَيَان ذَلِك هُنَا.

وحسبنا أَن نقُول إِن عصبية الْعَرَب لم تَنْحَصِر فِي بني أُميَّة لَا بقوتهم الحربية وَلَا بِثِقَة الْأمة بعدلهم وكفاءتهم، وَإِنَّمَا افترضوا حَيَاء عُثْمَان وَضَعفه فنزوا على مناصب الْإِمَارَة وَالْحكم فِي الْأَمْصَار الإسلامية الَّتِي هِيَ قُوَّة الدولة ومددها. . واصطنعوا من محبى الدُّنْيَا من سَائِر بطُون قُرَيْش وَغَيرهم من يعلمُونَ أَنهم يواتونهم. . وَأكْثر هَؤُلَاءِ مِمَّن لم يعرفوا من الْإِسْلَام إِلَّا بعض الظَّوَاهِر وهم مَعَ الْحُكَّام أَتبَاع كل ناعق، فتوسلوا بهم إِلَى سنّ سنة الْجَاهِلِيَّة وَالْقَضَاء على خلَافَة النُّبُوَّة الشَّرْعِيَّة. .

<<  <   >  >>