للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَرَب وفناء جيلهم وتلاشي أَحْوَالهم، وَبَقِي الْأَمر ملكا بحتا كَمَا كَانَ الشَّأْن فِي مُلُوك الْأَعَاجِم بالمشرق. يدينون بِطَاعَة الْخَلِيفَة تبركا، وَالْملك بِجَمِيعِ ألقابه ومناحيه لَهُم، وَلَيْسَ للخليفة مِنْهُ شئ، فقد تبين أَن الْخلَافَة وجدت بِدُونِ الْملك أَولا ثمَّ التبست معانيهما واختلطت، ثمَّ انْفَرد الْملك حَيْثُ افْتَرَقت عصبيته من عصبية الْخلَافَة.

وَهَذِه الْخُلَاصَة الَّتِي ذكرهَا ابْن خلدون تدل على صِحَة قَوْلنَا الَّذِي كررناه مرَارًا وَهُوَ أَن خلفاء بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس قد جمعُوا بَين عَظمَة الْملك ونعيمه وترفه وَبَين مَقَاصِد الْخلَافَة من نشر الدّين وَالْحق وَالْعدْل، وَأَن الْفساد دب إِلَيْهِم بالتدريج، وَمَا زَالَ يفتك بهم حَتَّى أَزَال ملكهم، وَأكْثر الْمُسلمين لَا يَشْعُرُونَ بسير السّنَن الاجتماعية فيهم، والأقلون لَا يَسْتَطِيعُونَ تلافي الْفساد وتداركه قبل أَن يَنْتَهِي إِلَى غَايَته من هَلَاك الْأمة.

وَإِنَّمَا كَانَ يتلافى بالنظام الَّذِي تُقَام بِهِ الْخلَافَة، فالنظام قد أوجد أديانا ومذاهب بَاطِلَة، وَثَبت دولا جائرة، فَكيف لَا يحفظ بِهِ الْحق الراسخ رسوخ الأطواد؟ فو الْحق الَّذِي يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ، لَو أَن الْمُسلمين بذلوا من الْعِنَايَة لإعادة الْخلَافَة إِلَى نصابها عشر مَا بذلت فرق الباطنية لإفسادها، لعادت أقوى مِمَّا كَانَت وسادوا بهَا الدُّنْيَا كلهَا.

هَذَا وَإِن مَا فَاتَ الْمُسلمين فِي الْقُرُون الْوُسْطَى لَا يَنْبَغِي أَن يفوتهُمْ فِي هَذَا الْعَصْر الَّذِي عرف الْبشر فِيهِ من سنَن الله تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاع البشري وَمن فَوَائِد النظام وَأَحْكَامه مَا لم يَكُونُوا يعْرفُونَ. .

التّرْك العثمانيون والخلافة والتفرنج:

كَانَ أَجْدَر الْمُسلمين بِالسَّبقِ إِلَى هَذَا رجال الدولة العثمانية، وَلَا سِيمَا الَّذين يُقِيمُونَ فِي الآستانة والرومللي من بِلَاد أوروبة، يشاهدون تطور شعوبها وترقيهم فِي الْعُلُوم والفنون والنظام، وَلَكِن دولتهم لم تكن دولة عُلُوم وفنون. . لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم لُغَة علمية مدونة قَابِلَة لذَلِك إِلَّا فِي أثْنَاء الْقرن الْمَاضِي. . وَلم يكن يتَعَلَّم عُلُوم

<<  <   >  >>