للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّبِيل أَمْوَالًا عَظِيمَة لزعماء الْعَرَب حاشا أَئِمَّة الْيمن - وَلَا يزالون يبذلون وَلم يستفيدوا بِهِ شَيْئا ثَابتا يوازي مَا بذلوا وَلَا قدرُوا أَن يصطنعوا بِهِ أحدا من أُولَئِكَ الْأُمَرَاء إِلَّا ملك الْحجاز وَأَوْلَاده، وَلنْ يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ بعد الْيَوْم أَن يعملوا لَهُم شَيْئا لِأَن الْأمة الْعَرَبيَّة قد عرفت كنه جنايتهم عَلَيْهَا، فدوام استمساك الدولة البريطانية بِهِ لَا يزيدها وَلَا يزيدهم إِلَّا مقتا عِنْد الْعَرَب وَعند سَائِر الْمُسلمين. .

بل نقُول إِنَّه لَيْسَ من أصُول السياسة البريطانية الْفَتْح بِالْقُوَّةِ العسكرية مُطلقًا، وَلم تكن الدولة العثمانية هِيَ الْمَانِعَة للإنكليز من فتح هَذِه الْبِلَاد قبل الْيَوْم، فَإِن الدولة لم تكن تَسْتَطِيع إرْسَال جَيش إِلَيْهَا إِلَّا من طَرِيق الْبَحْر، وَمَتى كَانَ لَهَا أسطول يُقَارب أحد الأساطيل البريطانية فيتمكن من إرْسَال الْجند والذخيرة إِلَى الْيمن وحماية سواحلها وَسَائِر سواحل الدولة من الإنجليز إِذا وَقعت الْحَرْب بَينهمَا؟ ولماذا لم تحم مصر مِنْهُم أَو تخرجهم مِنْهَا؟

وَأما كَون أهل جَزِيرَة الْعَرَب لَا يَسْتَطِيعُونَ الْجِهَاد بِقصد الْفَتْح كالترك وَهُوَ مَا فضل بِهِ التّرْك بعض الباحثين مَعنا فِي الْمَسْأَلَة فَيُقَال فِيهِ إِن من فضل الله على جَزِيرَة الْعَرَب أَنه لَيْسَ فِيهَا شعوب أَجْنَبِيَّة مُخْتَلفَة فِي الْجِنْس أَو الدّين يتحاكون بالعرب فيغرونها بِفَتْح بِلَادهمْ، وَأَن التّرْك لَا يرَوْنَ شَيْئا أسلم لَهُم فِي بِلَادهمْ من إِخْرَاج الشعوب الْمُخَالفَة لَهُم فِي الْجِنْس وَالدّين ليستريحوا من هَذَا التحاك وغوائله، وَلنْ يقدموا على قتال أحد من جيرانهم لأجل فتح بِلَاده وَقد كَانَت حروبهم فِي الْقُرُون الْأَخِيرَة كلهَا دفاعا للمعتدين أَو مقاومة للثائرين، وَلم يكن شَيْء مِنْهَا لأجل سَعَة الْملك وَلَا لأجل نشر الدّين، وهم أحْوج النَّاس إِلَى الاسْتِرَاحَة من الْقِتَال والانصراف إِلَى عمرَان بِلَادهمْ وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من الْعُلُوم والفنون، والطامعون فِي سَعَة الْملك مِنْهُم إِنَّمَا يطمعون فِي ضم الشعوب الإسلامية الشرقية إِلَيْهِم الَّتِي يُمكنهُم أَن يجنسوها بجنسيتهم اللُّغَوِيَّة كالكرد والجركس والتتار وَسَائِر شعوب الْجِنْس الطوراني. . وَأما الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام من غير قتال فالعرب أقدر عَلَيْهَا من التّرْك، وهم دعاة بالطبع وَقد أسلم الملايين من سكان إفريقية وجزائر الْمُحِيط الجنوبي بدعوة تجار الْعَرَب والدراويش السائحين مِنْهُم، وحرية الِاعْتِقَاد فِي أَكثر حكومات هَذَا الْعَصْر تغنى خَليفَة الْمُسلمين عَن الْقِتَال لحماية الدعْوَة وحرية الدّين كَمَا كَانَ عَلَيْهِ خلفاء الْعَرَب من الْأَوَّلين. .

<<  <   >  >>