للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَى هُدًى، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إذَا عَمِلُوا بِشَرِيعَتِهِمْ، كَمَا كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْمَجُوسَ فِي هَؤُلَاءِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ، بَلْ ذَكَرَ الصَّابِئِينَ دُونَهُمْ، مَعَ أَنَّ الصَّابِئِينَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ أَبْعَدُ عَنْ الْكِتَابِ مِنْهُمْ.

وَأَيْضًا: فَفِي الْمُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَغَازِي، الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: «لَمَّا اقْتَتَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَانْتَصَرَتْ الْفُرْسُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِكَوْنِ النَّصَارَى أَقْرَبَ إلَيْهِمْ، لِأَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الم} [الروم: ١] {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: ٢] {فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: ٣] {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: ٤] » .

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَجُوسَ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ لَهُمْ كِتَابٌ، وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ، أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ، وَقَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرِ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَعَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تُوَافِقُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ خِلَافٌ.

وَأَمَّا حُذَيْفَةُ فَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِيَهُودِيَّةٍ، وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا الْمُرْسَلِ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْمُرْسَلُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ حُجَّةٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَفِي الْآخَرِ هُوَ حُجَّةٌ إذَا عَضَّدَهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَوْ أُرْسِلَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا الْمُرْسَلُ نَصٌّ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، فَرُفِعَ، قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ، لَا أَنَّهُ الْآنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>