للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لِلْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِمَا، وَيَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَوْلَادِ مِنْ النَّسَبِ، فَهَذِهِ الْجِهَاتُ الثَّلَاثُ مِنْهَا تَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ.

وَأَمَّا إخْوَةُ الْمُرْتَضِعِ مِنْ النَّسَبِ، وَأَبُوهُ مِنْ النَّسَبِ، وَأُمُّهُ مِنْ النَّسَبِ، فَهُمْ أُجَانِبُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ صِلَةٌ وَلَا نَسَبٌ وَلَا رَضَاعٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبِيهِ، وَأُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ، وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَجُوزُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ أَخٌ مِنْ النَّسَبِ وَأُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِهَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا، وَلِهَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذَا.

وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَضِعِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِأُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ، كَمَا يَتَزَوَّجُ بِأُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَيَجُوزُ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ.

وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي النَّسَبِ، فَإِنَّ أَخَا الرَّجُلِ مِنْ النَّسَبِ لَا يَتَزَوَّجُ بِأُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ، وَأُخْتَه مِنْ الرَّضَاعِ لَيْسَتْ بِنْتَ أَبِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَلَا رَبِيبَتَهُ، فَلِهَذَا جَازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَيَقُولُ مَنْ لَا يُحَقِّقُ: يَحْرُمُ فِي النَّسَبِ عَلَى أَخِي أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمِّي وَلَا يَحْرُمُ مِثْلُ هَذَا فِي الرَّضَاعِ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ نَظِيرُ الْمُحَرَّمِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أُخْتُهُ أَوْ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِابْنِ هَذَا الْأَخِ أَوْ بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، كَمَا لَوْ ارْتَضَعَ هُوَ وَآخَرُ مِنْ امْرَأَةٍ، وَاللَّبَنُ لِفَحْلٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَخَاهُ وَأُخْتَه مِنْ الرَّضَاعَةِ، لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْنِ لِلْمُرْتَضِعِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا أَبَاهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِكَوْنِهِمَا وَلَدَيْهِمَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْ وَلَدَيْهِمَا، فَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَنَحْوَهُ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ.

وَأَمَّا رَضَاعُ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ لَا يَحْرُمُ إلَّا رَضَاعُ الصَّغِيرِ كَاَلَّذِي رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَفِيمَنْ رَضَعَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوْلَيْنِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، لَكِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ.

فَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِرَضَاعِ الْقَرَائِبِ، مِثْلُ أَنْ تُرْضِعَ زَوْجَتُهُ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ، فَهُنَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صِلَةُ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ.

وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَيْسَتْ أُمَّ نَفْسِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأُمُّ الْمُرْتَضِعِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَكُونُ أُمًّا لِإِخْوَتِهِ مِنْ النَّسَبِ، لِأَنَّهَا إنَّمَا أَرْضَعَتْ الرَّضِيعَ وَلَمْ تُرْضِعْ غَيْرَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>