للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً، لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظَ " الْعَمَّةِ " عَمَّةِ الْأَبِ؛ وَالْأُمِّ، وَالْجَدِّ. وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ. وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ. وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ، لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ، وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ.

" الثَّانِي " إنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» وَفِي لَفْظٍ «مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَعَمِلَ الْأَئِمَّةُ بِهِ: فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلٍ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا، أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ، وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ، وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ. فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَه مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ؟ ، وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنٍ دُرَّ بِوَطْئِهِ؟ ، فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ، وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى، وَقِيَاسِ الْأَوْلَى.

" الثَّالِثُ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، كَمَا قَالَ: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: ٣٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>