للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هِيَ وَاحِدَةٌ» . وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ

خِلَافُ هَذِهِ السُّنَّةِ، بَلْ مَا يُخَالِفُهَا إمَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ؛ بَلْ مَرْجُوحٌ. وَإِمَّا إنَّهُ صَحِيحٌ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ بُسِطَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَطَلَاقُ الْبِدْعَة]

فَصْلٌ

الطَّلَاقُ مِنْهُ طَلَاقُ سُنَّةٍ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ. فَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا.

فَإِنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ وَطِئَهَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فَهَذَا طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَلْزَمُ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ.

وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ، أَوْ بِكَلِمَاتٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ، فَهَذَا حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَهُوَ أَيْضًا حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يُطَلِّقْهَا الثَّانِيَةَ حَتَّى يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ، فَإِذَا طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّلَاثَ طَلَاقًا مُحَرَّمًا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ.

وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيَنْكِحَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>