للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ: إمَّا مُقَلِّدٌ، وَإِمَّا مُجْتَهِدٌ. فَالْمُقَلِّدُ لَا يُنْكِرُ الْقَوْلَ الَّذِي يُخَالِفُ مَتْبُوعَهُ إنْكَارَ مَنْ يَقُولُ هُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُحَرِّمَ الْقَوْلَ بِهِ، وَيُوجِبَ الْقَوْلَ بِقَوْلِ سَلَفِهِ. وَالْمُجْتَهِدُ يَنْظُرُ وَيُنَاظِرُ، وَهُوَ مَعَ ظُهُورِ قَوْلِهِ لَا يُسَوِّغُ قَوْلَ مُنَازَعِيهِ الَّذِي سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَهُوَ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ خَالَفَ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا، فَمَنْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّقْلِيدِ السَّائِغِ وَالِاجْتِهَادِ كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الَّذِينَ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: ١٧٠] . وَكَانَ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ.

وَمَنْ قَالَ إنَّهُ اتَّبَعَ هَذِهِ الْفُتْيَا فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ وَلَدُ زِنًا؛ كَانَ هَذَا الْقَائِلُ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَالْمُشَاقَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.

وَعَلَى الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ بِهِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى يَقْصِدُ بِهِ الْقُرْبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَزِمَهُ فِعْلُهُ، أَوْ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، كَالتَّطْلِيقِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَمْ يَلْزَمْهُ؛ بَلْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ يُكْرَهُ وُقُوعُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، كَمَا يُكْرَهُ وُقُوعُ الْكُفْرِ؛ فَلَا يَقَعُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَفِي ظَاهِرِ الْحَالِ أَنَّهُ حُرٌّ]

٥٤٩ - ١٢ - مَسْأَلَةٌ:

فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، وَفِي ظَاهِرِ الْحَالِ أَنَّهُ حُرٌّ، فَأَقَامَتْ فِي صُحْبَتِهِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا، وَطَالَبَتْهُ بِحُقُوقِهَا، فَقَالَ: أَنَا مَمْلُوكٌ يَجِبُ الْحَجْرُ عَلَيَّ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِحَقِّ الزَّوْجَةِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ؟ .

الْجَوَابُ: حَقُّ الزَّوْجَةِ ثَابِتٌ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُجَرَّدَ دَعْوَاهُ الرِّقَّ لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا، وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>