للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحُ رِقٌّ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ عَانِيَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ؛ وَالْعَانِي الْأَسِيرُ وَأَنَّ الرَّجُلَ أَخَذَهَا بِأَمَانَةِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا أَبَاحَ اللَّهُ لِلرَّجُلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنْ يَضْرِبَهَا، وَإِنَّمَا يُؤَدِّبُ غَيْرَهُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ؛ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهَا، وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ وَوَلِيَ عَلَيْهِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ، وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسَاقِي وَالْمُزَارِعِ فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَالِ الشِّرْكَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.

وَعَقْدُ النِّكَاحِ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ، وَالرَّجُلُ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ فَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَبُولِ قَوْلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا نَفَقَةً: قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» لَمَّا قَالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ؛ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» .

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا عَنْهَا مُدَّةً وَهِيَ مُقِيمَةً فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِنَفَقَةٍ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَاضِي مُطْلَقًا فِي هَذَا الْبَابِ.

وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ سِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِ النِّسَاءِ فِي عَدَمِ النَّفَقَةِ فِي الْمَاضِي فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ. مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ. وَهُوَ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ مَعَ الزَّوْجِ خَمْسِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَدَّعِي نَفَقَةَ خَمْسِينَ سَنَةً وَكِسْوَتَهَا، وَتَدَّعِي أَنَّ زَوْجَهَا مَعَ يَسَارِهِ وَفَقْرِهَا لَمْ يُطْعِمْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ شَيْئًا، وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ النَّاسُ كَذِبَهَا فِيهِ قَطْعًا؛ وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>