للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، فِي عَقَائِدِهِ وَحَقَائِقِهِ وَطَرَائِقِهِ وَشَرَائِعِهِ، فَلَا عَقِيدَةَ إلَّا عَقِيدَتُهُ، وَلَا حَقِيقَةَ إلَّا حَقِيقَتُهُ، وَلَا طَرِيقَةَ إلَّا طَرِيقَتُهُ، وَلَا شَرِيعَةَ إلَّا شَرِيعَتُهُ، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ، وَالظَّاهِرَةِ فِي أَقْوَالِ الْقَلْبِ وَعَقَائِدِهِ، وَأَحْوَالِ الْقَلْبِ وَحَقَائِقِهِ، وَأَقْوَالِ اللِّسَانِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ إلَّا مَنْ اتَّبَعَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، فَصَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْغُيُوبِ، وَالْتَزَمَ طَاعَتَهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.

فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُصَدِّقًا فِيمَا أَخْبَرَ، مُلْتَزِمًا لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَوْجَبَ وَأَمَرَ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي عَلَى الْأَبْدَانِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ مَاذَا عَسَى أَنْ يَحْصُلَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ تَرْكِهِ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِطَهَارَتِهَا وَوَاجِبَاتِهَا، إلَّا مِنْ أَهْلِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ الْمُبْعِدَةِ لِصَاحِبِهَا عَنْ اللَّهِ، الْمُقَرِّبَةِ إلَى سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ، لَكِنْ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ مِنْ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ، قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُمْ، فَلَا يُعَاقَبُونَ، وَلَيْسَ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَقْوَاهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَا يَكُونُونَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ، لَكِنْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: ٢١] .

وَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْعَقْلِ، لَا يَكُونُونَ مِمَّنْ فِي قُلُوبِهِمْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ، وَمَعَارِفُ أَهْلِ وِلَايَةِ اللَّهِ، وَأَحْوَالُ خَوَاصِّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِالْعَقْلِ، فَالْجُنُونُ مُضَادُّ الْعَقْلِ وَالتَّصْدِيقِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ، وَالْهُدَى وَالثَّنَاءِ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.

فَالْمَجْنُونُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ، وَيَرْحَمُهُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْمُقْتَصِدِينَ، الَّذِينَ يَرْفَعُ اللَّهُ دَرَجَاتِهِمْ، وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>