للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى آكِلِ الْحَشِيشَةِ]

ِ؟ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ أَكْلَهَا جَائِزٌ حَلَالٌ مُبَاحٌ؟

الْجَوَابُ: أَكْلُ هَذِهِ الْحَشِيشَةِ الصُّلْبَةِ حَرَامٌ، وَهِيَ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَلَ مِنْهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لَكِنَّ الْكَثِيرَ الْمُسْكِرَ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَافِرًا مُرْتَدًّا؛ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحُكْمُ الْمُرْتَدِّ شَرٌّ مِنْ حُكْمِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ لِلْعَامَّةِ أَوْ لِلْخَاصَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا لُقْمَةُ الْفِكْرِ وَالذِّكْرِ، وَأَنَّهَا تُحَرِّكُ الْعَزْمَ السَّاكِنَ إلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ، وَأَنَّهُمْ لِذَلِكَ يَسْتَعْمِلُونَهَا.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ ظَنَّ أَنَّ الْخَمْرَ تُبَاحُ لِلْخَاصَّةِ، مُتَأَوِّلًا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: ٩٣] فَلَمَّا رُفِعَ أَمْرُهُمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَشَاوَرَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ اتَّفَقَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّهُمْ إنْ أَقَرُّوا بِالتَّحْرِيمِ جُلِدُوا، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى الِاسْتِحْلَالِ قُتِلُوا. وَهَكَذَا حَشِيشَةُ الْعُشْبِ مَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهَا وَتَنَاوَلَهَا فَإِنَّهُ يُجْلَدُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ سَوْطًا، أَوْ أَرْبَعِينَ.

هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الْجَلْدِ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا مُزِيلَةٌ لِلْعَقْلِ، غَيْرُ مُسْكِرَةٍ، كَالْبَنْجِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا يُغَطِّي الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ: إنْ كَانَ مُسْكِرًا فَفِيهِ جَلْدُ الْخَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا فَفِيهِ التَّعْزِيرُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ. وَمَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ ذَلِكَ كَفَرَ وَقُتِلَ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ كَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ آكِلِيهَا يَنْتَشُونَ بِهَا، وَيُكْثِرُونَ تَنَاوُلَهَا، بِخِلَافِ الْبَنْجِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْشِي، وَلَا يُشْتَهَى. وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا فَفِيهِ الْحَدُّ وَمَا لَا تَشْتَهِيهِ كَالْمَيْتَةِ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ. " وَالْحَشِيشَةُ " مِمَّا يَشْتَهِيهَا آكِلُوهَا، وَيَمْتَنِعُونَ عَنْ تَرْكِهَا؛ وَنُصُوصُ التَّحْرِيمِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي النَّاسِ أَكْلُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>