للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [الأحزاب: ٥] .

وَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَالًا لِلْآخَرِ يُورَثُ عَنْهُ مَالَهُ؛ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلَكِنْ إذَا طَابَتْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْآخَرُ مِنْ مَالِهِ فَهَذَا جَائِزٌ، كَمَا كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْآخَرِ وَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ؛ لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] .

وَأَمَّا شُرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ. فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَأَقَلُّ مَا فِي ذَلِكَ مَعَ النَّجَاسَةِ التَّشْبِيهُ بِاَللَّذَيْنِ يَتَآخَيَانِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: إمَّا عَلَى فَوَاحِشَ، أَوْ مَحَبَّةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، كَمَحَبَّةِ الْمُرْدَانِ وَنَحْوِهِمْ، وَإِنْ أَظْهَرُوا خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اشْتِرَاكٍ فِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا. وَإِمَّا تَعَاوُنٍ عَلَى ظُلْمِ الْغَيْرِ، وَأَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مُؤَاخَاةِ بَعْضِ مَنْ يُنْتَسَبُ إلَى الْمَشْيَخَةِ وَالسُّلُوكِ لِلنِّسَاءِ، فَيُؤَاخِي أَحَدُهُمْ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ، وَيَخْلُو بِهَا وَقَدْ أَقَرَّ طَوَائِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنْ الْفَوَاحِشِ. فَمِثْلُ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَعَاوُنٌ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَائِنًا مَا كَانَ: حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي مُؤَاخَاةٍ يَكُونُ مَقْصُودُهُمَا بِهَا التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، بِحَيْثُ تَجْمَعُهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ، وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةُ اللَّهِ، كَمَا يَقُولُونَ: تَجْمَعُنَا السُّنَّةُ، وَتُفَرِّقُنَا الْبِدْعَةُ. فَهَذِهِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ. فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَوْنَهَا، اسْتِغْنَاءً بِالْمُؤَاخَاةِ الْإِيمَانِيَّةِ الَّتِي عَقَدَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ كَافِيَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَهَدَ فِي تَحْقِيقِ أَدَاءِ وَاجِبَاتِهَا؛ إذْ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا هُوَ فَوْقَ مَطْلُوبِ النُّفُوسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّغَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ إذَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ.

وَأَمَّا أَنْ تُقَالَ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ أَدْخَلَ صَاحِبَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَشْرِطُهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: فَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَمْثَالُهَا لَا تَصِحُّ، وَلَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>