للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْضِرُ طَعَامًا وَإِدَامًا وَمَلَأَ الْإِبْرِيقَ مَاءً مِنْ الْهَوَى، وَالشَّيَاطِينُ فَعَلَتْ ذَلِكَ. فَيَحْسِبُ الْجَاهِلُونَ أَنَّ هَذِهِ كَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ؛ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ وَأَمْثَالِهِمْ.

وَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَالنَّفْسَانِيَّةِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّرْ اللَّهُ قَلْبَهُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ لَمْ يَعْرِفْ طَرِيقَ الْمُحِقِّ مِنْ الْمُبْطِلِ؛ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالْحَالُ، كَمَا الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ حَالُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَذَّابِينَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ أَنْبِيَاءٌ؛ وَإِنَّمَا هُمْ كَذَّابُونَ، وَقَدْ قَالَ:

«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ فِيكُمْ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» .

وَأَعْظَمُ الدَّجَاجِلَةِ فِتْنَةً " الدَّجَّالُ الْكَبِيرُ " الَّذِي يَقْتُلُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: فَإِنَّهُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَتِهِ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَعِيذُوا مِنْ فِتْنَتِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ يَقُولُ لِلسَّمَاءِ: أَمْطِرِي: فَتُمْطِرُ؛ وَلِلْأَرْضِ أَنْبِتِي، فَتُنْبِتُ» «وَأَنَّهُ يَقْتُلُ رَجُلًا مُؤْمِنًا؛ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُمْ فَيَقُومُ؛ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّك؛ فَيَقُولُ لَهُ كَذَبْت؛ بَلْ أَنْتَ الْأَعْوَرُ الْكَذَّابُ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا ازْدَدْت فِيك إلَّا بَصِيرَةً فَيَقْتُلُهُ مَرَّتَيْنِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَهُوَ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ. وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ

ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ تُنَافِي مَا يَدَّعِيهِ: أَحَدُهَا: «أَنَّهُ أَعْوَرُ؛ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» .

وَالثَّانِي: «أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ مِنْ قَارِئٍ وَغَيْرِ قَارِئٍ» . وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» .

فَهَذَا هُوَ الدَّجَّالُ الْكَبِيرُ وَدُونَهُ دَجَاجِلَةٌ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْذِبُ بِغَيْرِ ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ؛ كَمَا قَالَ:

«يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» .

فَالْحَلَّاجُ كَانَ مِنْ الدَّجَاجِلَةِ بِلَا رَيْبٍ؛ وَلَكِنْ إذَا قِيلَ: هَلْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>