للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُلْقَى فِيهَا، فَإِنَّهُ عَيْنٌ ذَاهِبَةٌ مُتَخَلِّفَةٌ وَلَا يُعَوَّضُ عَنْهَا، لَكِنْ هَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ هُوَ الْأَصْلُ فَقَطْ، فَإِنَّ الْعَامِلَ هُوَ وَبَقَرُهُ لَا بُدَّ لَهُ مُدَّةَ الْعَمَلِ مِنْ قُوتٍ وَعَلَفٍ يَذْهَبُ أَيْضًا وَرَبُّ الْأَرْضِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ لَا يَرْجِعُ إلَى رَبِّهِ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْقِرَاضِ، وَلَوْ جَرَى عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْأُصُولِ لَرَجَعَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أُصُولٍ بَاقِيَةٍ، وَهِيَ: الْأَرْضُ، وَبَدَنُ الْعَامِلِ، وَالْبَقَرُ، وَالْحَدِيدُ، وَمَنَافِعُ فَانِيَةٌ، وَأَجْزَاءُ فَانِيَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ الْبَذْرُ، وَبَعْضُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَبَعْضُ أَجْزَاءِ الْعَامِلِ وَبَقَرِهِ.

فَهَذِهِ الْأَجْزَاءُ الْفَانِيَةُ كَالْمَنَافِعِ الْفَانِيَةِ سَوَاءٌ، فَتَكُونُ الْخِيرَةُ إلَيْهِمَا فِيمَنْ يُبَدِّلُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ وَيَشْتَرِكَانِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ مَا لَمْ يُفِضْ إلَى بَعْضِ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرَرِ أَوْ الرِّبَا وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ أَحْمَدُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْمُشَارَكَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ دَابَّتَهُ أَوْ سَفِينَتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا.

فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى حِكْمَةِ بَيْعِ الْغَرَرِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ يَجْمَعُ النَّشْرَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَإِنَّك تَجِدُ كَثِيرًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ أَلْفَاظٍ يَظُنُّهَا عَامَّةً أَوْ مُطْلَقَةً أَوْ يَضْرِبُ مِنْ الْقِيَاسِ الْمَعْنَوِيِّ أَوْ الشَّبَهِيِّ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَحْمَدَ حَيْثُ يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْمُتَكَلِّمِ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْمُجْمَلِ وَالْقِيَاسِ، ثُمَّ هَذَا التَّمَسُّكُ يُفْضِي إلَى مَا يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا الْبَابُ بَيْعُ الدُّيُونِ دَيْنِ السِّلْمِ وَغَيْرِهِ وَأَنْوَاعٍ مِنْ الصُّلْحِ وَالْوَكَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَوْلَا أَنَّ الْغَرَضَ ذِكْرُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ تَجْمَعُ أَبْوَابًا لَذَكَرْنَا أَنْوَاعًا مِنْ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>