للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ.

وَإِنْ كَانَ الْغِنَى وَصْفًا مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ؛ وَعَلَى قِيَاسِهِ سَائِرُ الصِّفَاتِ الْمُبَاحَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ إذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ مُثَابًا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فِيهِ؛ فَيَكُونُ قَدْ صَرَفَ الْمَالَ فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ؛ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي مَمَاتِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ كَانَ تَعْذِيبًا لَهُ بِلَا فَائِدَةٍ تَصِلُ إلَيْهِ؛ وَلَا إلَى الْوَاقِفِ؛ وَيُشْبِهُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ الْأَحْبَاسِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ؛ وَالْمَائِدَةِ.

وَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ الْمَشْرُوطُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا عَنْ مَنْفَعَةٍ فِي الدِّينِ؛ أَوْ فِي الدُّنْيَا كَانَ بَاطِلًا بِالِاتِّفَاقِ فِي أُصُولٍ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ الْتِزَامَ نَوْعٍ مِنْ الْمَطْعَمِ؛ أَوْ الْمَلْبَسِ؛ أَوْ الْمَسْكَنِ الَّذِي لَمْ تَسْتَحِبَّهُ الشَّرِيعَةُ؛ أَوْ تَرْكَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَسْتَحِبُّ الشَّرِيعَةُ عَمَلَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ.

يَبْقَى الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَنَاطِ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَائِلِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ؛ لِاخْتِلَافِ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ؛ فَيَنْظُرُ فِي شَرْطٍ تُرِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ فَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ - خَالِصٌ أَوْ رَاجِحٌ - كَانَ بَاطِلًا؛ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا؛ ثُمَّ [إذَا] نَقَصَ الرِّيعُ عَمَّا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ جَازَ لِلْمُطَالِبِ أَنْ يَرْتَزِقَ تَمَامَ كِفَايَتِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ رِزْقَ الْكِفَايَةِ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ؛ بَلْ هُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا قِيَامَ لِلْخَلْقِ بِدُونِهَا؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرِطَ مَا يُنَافِيهَا؛ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ؟ .

وَيَجُوزُ لِلنَّاظِرِ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يُوصِلَ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ بِالْعِلْمِ مَا جُعِلَ لَهُمْ وَأَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ مِنْ تَنَاوُلِ تَمَامِ كِفَايَتِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُرَتَّبُونَ فِيهَا؛ وَلَيْسَ هَذَا إبْطَالًا لِلشَّرْطِ؛ لَكِنَّهُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ وَشُرُوطُ اللَّهِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا ذُكِرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>