للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّينِ. - وَمَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَوَقَفَ الْمَالَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَلَا رَيْبَ فِي بُطْلَانِ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ وَسُقُوطِهِ.

بَلْ تَعْيِينُ مَكَان مُعَيَّنٍ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ إهْدَائِهِ غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ لَيْسَ أَيْضًا مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ؛ لَكِنْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ.

وَالْعُلَمَاءُ لَهُمْ فِي وُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ: كَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إلَى الْمَيِّتِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَصِلُ؛ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالتَّفَاضُلِ فِي مَكَان دُونَ مَكَان. وَلَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ: أَنَّ الصَّلَاةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ مِنْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ؛ بَلْ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهَا، فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ. وَمَالِكٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَطَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ. وَرَخَّصَ فِيهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَيْسَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَصٌّ نَعْرِفُهُ.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ. وَمَنْ قَالَ إنَّهُ عِنْدَ الْقَبْرِ يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِسَمَاعِهَا دُونَ مَا إذَا بَعُدَ الْقَارِئُ فَقَوْلُهُ هَذَا بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ مُخَالِفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. وَالْمَيِّتُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِأَعْمَالٍ يَعْمَلُهَا هُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ: لَا مِنْ اسْتِمَاعٍ وَلَا قِرَاءَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِآثَارِ مَا عَمِلَهُ فِي حَيَاتِهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» .

وَيَنْتَفِعُ أَيْضًا بِمَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِمْ. وَإِلْزَامُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَعْمَلُوا وَلَا يَتَصَدَّقُوا إلَّا فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، مِثْلَ كَنَائِسِ النَّصَارَى بَاطِلٌ.

وَبِكُلِّ حَالٍ فَالِاسْتِخْلَافُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزٌ، وَكَوْنُهَا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>