للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَيْفَ يُقَالُ لِلْمُتَعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ؛ لَا تَتَزَوَّجُوا؛ وَالشَّارِعُ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ؛ وَحَضَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ: «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ» . فَكَيْفَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ رَهْبَانِيَّةٍ؟ ،.

وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ التَّعَزُّبَ أَعْوَنُ عَلَى كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَالتَّعَلُّمِ وَالتَّعَبُّدِ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَلِلْوَاقِعِ؛ بَلْ عَدَمُ التَّعَزُّبِ أَعْوَنُ عَلَى كَيْدِ الشَّيْطَانِ، وَالْإِعَانَةُ لِلْمُتَعَبِّدِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ إعَانَةِ الْمُتَرَهِّبِينَ مِنْهُمْ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ؛ مِمَّا لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ؛ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً؛ فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالْمَسَاجِدُ لِلَّهِ تُبْنَى لِلَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ، فَإِذَا قَيَّدَ إمَامَ الْمَسْجِدِ بِبَلَدٍ فَقَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فِي شَرْطِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنْ وَفَّيْنَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَزِمَ تَرْكُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ وَشَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ.

وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَيَحْتَاجُ كُلُّ شَرْطٍ مِنْهَا إلَى كَلَامٍ خَاصٍّ فِيهِ؛ لَا تَتَّسِعُ لَهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَصْلَ. فَعَلَى الْمُؤْمِنِ بِاَللَّهِ أَنْ يَنْظُرَ دَائِمًا فِي كُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْخُلُقِ؛ فَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِ بِالْوَقْفِ وَغَيْرِهِ؛ وَمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَسْعَى فِي إعْدَامِهِ؛ وَمَا لَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَلَا يُحِبُّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُعَلِّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقَ وَقْفٍ وَلَا عَدَمَهَ وَلَا غَيْرَهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>