للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الدَّاخِلَةِ فِي الْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْجَوْرَ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ «وَمَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ» .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: ١٣] {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: ١٤] . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ سِتِّينَ سَنَةً بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ يَجُورُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِسُوءٍ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ سِتِّينَ سَنَةً بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [النساء: ١٣] .

وَمَنْ أَعَانَهَا عَلَى هَذَا الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ فَهُوَ شَرِيكُهَا فِيهِ مِنْ كَاتِبٍ وَمُشِيرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَعَاوِنُونَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَمَنْ لَقَّنَهَا الْإِقْرَارَ الْكَذِبَ مِنْ الشُّهُودِ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَهِيَ مُحْسِنَةٌ فِي ذَلِكَ. مُطِيعَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَمَنْ أَعَانَهَا عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَقْبَلُونَ هَذَا الْإِقْرَارَ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ؛ وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَتْ بِمَالِ الْمَيِّتِ بِالْمَرَضِ. فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمْ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَحَدِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ يَقْبَلُ الْإِقْرَارَ كَالشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَكْذِبُ، وَلَا يَظْلِمُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَنَحْوِهَا أَنْ يُعَاوِنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى لَا يُعَاوِنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

وَيَنْبَغِي التَّكَشُّفُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنْ وَجَدَ شَوَاهِدَ خِلَافَ هَذَا الْإِقْرَارِ عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ شَوَاهِدُ لَدَيْهِ أَبْطَلَ، فَشَوَاهِدُ الصِّدْقِ مِثْلَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَالٌ نَحْوُ هَذَا الْمَقْرَبَةِ، وَشَوَاهِدُ الْكَذِبِ بَيِّنَاتٌ يُعْلَمُ مِنْ بَعْضِهَا أَنَّهَا تُرِيدُ حِرْمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>