للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ أَكْمَلُ مِنْ تَقْرِيرِ أَتْبَاعِهِ بَعْدُ.

وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِيمَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ.

هَلْ يُقَالُ لَهُ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَمْ لَا.

وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ.

فَقَالَ ابْنُ كِلَابٍ: الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ.

لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ.

فَجَاءَ بَعْدَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَسَلَكَ مَسْلَكَهُ فِي إثْبَاتِ أَكْثَرِ الصِّفَاتِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ أَيْضًا.

وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: إنَّ هَذَا حِكَايَةٌ، وَقَالَ: الْحِكَايَةُ إنَّمَا تَكُونُ مِثْلَ الْمَحْكِيِّ؛ فَهَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ قَوْلَنَا أَنْ نَقُولَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَارَةِ.

فَأَنْكَرَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ عَلَيْهِمْ عِدَّةَ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُمْ إنَّ الْمَعْنَى كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، وَكَانَتْ الْمُعْتَزِلَةُ تَقُولُ، هُوَ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ.

فَقَالَ هَؤُلَاءِ هُوَ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ، لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ إذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَإِذَا قَامَ الْكَلَامُ بِمَحَلٍّ كَانَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ إذَا قَامَا بِمَحَلٍّ، كَانَ هُوَ الْعَالِمُ الْقَادِرُ، وَكَذَلِكَ الْحَرَكَةُ، وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ.

قَالُوا لَهُمْ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْكَلَامُ كَلَامَ ذَلِكَ الْجِسْمِ الَّذِي خَلَقَهُ فِيهِ، فَكَانَتْ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ أَئِمَّةُ الْكِلَابِيَّةِ: إنْ كَانَ الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ مَخْلُوقًا فَلَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ " فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ، بَلْ نَقُولُ الْكَلَامُ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْمُجَرَّدِ، وَبَيْنَ الْحُرُوفِ الْمَنْظُومَةِ، فَقَالَ لَهُمْ الْمُحَقِّقُونَ، فَهَذَا يُبْطِلُ أَصْلَ حُجَّتِكُمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّكُمْ لَمَّا سَلَّمْتُمْ أَنَّ مَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً لَا يُمْكِنُ قِيَامُهُ بِغَيْرِهِ، أَمْكَنَ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ كَلَامُهُ إلَّا مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ، وَهُوَ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ: هَذَا الَّذِي قَالُوهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، وَمَا بَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ؛ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ. وَمَسْأَلَةُ الْقُرْآنِ لَهَا طَرَفَانِ: أَحَدُهُمَا: تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الطَّرَفَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>