للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُشْرُ، أَوْ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَأَخْرَجَ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ الْمَنْصُوصِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ أَجْزَأَهُ فَكَيْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.

وَإِنْ أَخْرَجَ الْعُشْرَ عِنَبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.

وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَظْهَرُ.

وَأَمَّا الْعِنَبُ الَّذِي يَصِيرُ زَبِيبًا لَكِنَّهُ قَطَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ زَبِيبًا فَهُنَا يَخْرُجُ زَبِيبًا بِلَا رَيْبٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ سُعَاتَهُ فَيَخْرُصُونَ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ، وَيُطَالِبُ أَهْلَهُ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ يَابِسًا وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الثِّمَارِ يَأْكُلُونَ كَثِيرًا مِنْهَا رُطَبًا، وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَارِصِينَ أَنْ يَدَعُوا لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرٌ وَيَقُولُ: «إذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالرَّطْبَةَ وَالسَّائِلَةَ» .

يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَنْتَزِعُ بِمَا يُعَرِّيهِ مِنْ النَّخْلِ لِمَنْ يَأْكُلُهُ، وَعَلَيْهِ ضَيْفٌ يَطَئُونَ حَدِيقَتَهُ يُطْعِمُهُمْ وَيُطْعِمُ السَّائِلَةَ وَهُمْ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ، وَهَذَا الْإِسْقَاطُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الْأُولَى.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَمَا عَلِمْت فِيهَا نِزَاعًا فَإِنَّ حَقَّ أَهْلِ السَّهْمَيْنِ لَا يَسْقُطُ بِاخْتِيَارِ قَطْعِهِ رُطَبًا إذَا كَانَ يَيْبَسُ، نَعَمْ لَوْ بَاعَ عِنَبَهُ أَوْ رُطَبَهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ عُشْرِ الثَّمَنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ عِنَبٍ أَوْ زَبِيبٍ فَإِنَّ فِي إخْرَاجِ الْقِيمَةِ نِزَاعًا فِي مَذْهَبِهِ وَنُصُوصُهُ الْكَثِيرَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ الْحَاجَةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَنُصُوصُهُ الصَّرِيحَةُ إنَّمَا هِيَ بِالْفَرْقِ.

وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَدْ يَنُصُّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِجَوَابَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيُخْرِجُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى، وَيَكُونُ الصَّحِيحُ إقْرَارَ نُصُوصِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>