للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ الَّذِينَ لَا يُسَوِّغُونَ مِثْلَ هَذَا قَوْلًا بِاجْتِهَادِهِمْ.

وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيُهُ عَنْ اشْتِرَاطِ جُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْ الدَّقِيقِ بَلْ عَنْ شَيْءٍ مُسَمًّى، وَهُوَ الْقَفِيزُ، وَهُوَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَةَ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ شَيْئًا مُقَدَّرًا كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً.

وَهَذَا هُوَ الْمُزَارَعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فِي حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ زَرْعَ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ أَحَلُّ مِنْ الْمُؤَاجَرَةِ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْجَمِيعِ، فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعَدْلِ إنْ حَصَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِي الْحِرْمَانِ - وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُؤَجِّرُ يَقْبِضُ الْأُجْرَةَ وَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَى خَطَرٍ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ أَبْعَدَ عَنْ الْمُخَاطَرَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَلَيْسَتْ الْمُزَارَعَةُ مُؤَاجَرَةً عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهَا الْعَمَلُ بِالْأُجْرَةِ بَلْ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارَكَةِ، كَالْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهَا وَأَحْمَدُ عِنْدَهُ هَذَا الْبَابُ هُوَ الْقِيَاسُ.

وَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَالْجِمَالَ إلَى مَنْ يُكَارِي عَلَيْهَا، وَالْكِرَاءُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ، وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ.

وَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا يَصْطَادُ بِهِ الصَّقْرَ وَالشِّبَاكَ وَالْبَهَائِمَ وَغَيْرَهَا إلَى مَنْ يَصْطَادُ بِهَا وَمَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا.

وَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْحِنْطَةَ إلَى مَنْ يَطْحَنُهَا وَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ إلَى مَنْ يَعْجِنُهُ وَالْغَزْلُ إلَى مَنْ يَنْسِجُهُ وَالثِّيَابُ إلَى مَنْ يَخِيطُهَا بِجُزْءٍ فِي الْجَمِيعِ مِنْ النَّمَاءِ.

وَكَذَلِكَ الْجُلُودُ إلَى مَنْ يَحْذُوهَا نِعَالًا وَإِنْ حُكِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَاشِيَةَ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ، مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَيَدْفَعَ دُودَ الْقَزِّ، وَالْوَرَقِ إلَى مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَخْدُمُهُ وَلَهُ جُزْءٌ مِنْ الْقَزِّ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَةِ بِأَنَّ: الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ - فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا زَارَعَهُ حَوْلًا بِعَيْنِهِ فَالْمُزَارَعَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَمَا تَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>