للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْأَمَةِ عَوْرَةٌ، وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَوْرَتَهَا السَّوْأَتَانِ فَقَطْ كَالرِّوَايَةِ فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَهَذَا غَلَطٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ عَلَى الْمَذْهَبِ خُصُوصًا، وَعَلَى الشَّرِيعَةِ عُمُومًا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا يَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْحَرِيرِ وَالْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا. فَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ مَنْشَأَ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ جِهَةَ الطَّاعَةِ مُغَايِرَةٌ لِجِهَةِ الْمَعْصِيَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُثَابَ مِنْ وَجْهٍ وَيُعَاقَبَ مِنْ وَجْهٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ تَصَاوِيرُ.

قُلْت: لَازِمُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ يَحْرُمُ لُبْسُهُ يَجْرِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي جَاهِلًا بِالْمَكَانِ وَالثَّوْبِ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْجَاهِلَ بِالنَّجَاسَةِ يُعِيدُ أَوْ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ الْعَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مَعْصِيَةً، بَلْ يَكُونُ طَاعَةً، وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي مَكَانِ غَصْبٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا نُوجِبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إذَا صَلَّى فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ لُبْثَهُ فِيهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الثَّوْبَ الْحَرِيرَ رِوَايَتَيْنِ، كَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الثَّوْبَ النَّجِسَ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الْغَصْبِ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَأَوْلَى، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ الْكَوْنُ بِالْمَكَانِ النَّجِسِ وَالْغَصْبِ بِحَيْثُ يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ الْخُرُوجِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَحْبُوسِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحُوطًا عَلَيْهِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ وَيَأْكُلُ ثَمَرَهُ فَلَأَنْ يَدْخُلَهُ بِلَا أَكْلٍ وَلَا أَذًى أَوْلَى وَأَجْزَى، وَالْمَقْبُوضُ بِتَعَدٍّ فَاسِدٍ مِنْ الثِّيَابِ وَالْعَقَارِ أَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَيَسْكُنُهُ حَلَالًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقَّ لِعِبَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الصَّلَاةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>