للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ نَدِمَ وَرَدَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأُجْرَةِ لِتَفْوِيتِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ وَلَوْ حَبَسَ الْمَغْصُوبَ وَقْتَ حَاجَةِ مَالِكِهِ إلَيْهِ كَمُدَّةِ شَبَابِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فِي مَشِيبِهِ فَتَفْوِيتُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ يُفْتَقَرُ إلَى جَزَاءٍ، وَمَنْ مَاتَ مُعْدِمًا يُرْجَى أَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَنْهُ مَا عَلَيْهِ.

وَلِلْمَظْلُومِ الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فَإِذَا خَالَفَهُ فَالْأَوْلَى لَهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ لَا عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ وَلَوْ كَذِبَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ بَلْ يَدْعُو إلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ نَظِيرَهُ، وَكَذَا إنْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَلَمْ يَسْتَوْفِهِ حَتَّى مَاتَ طَالَبَ بِهِ وَرَثَتَهُ فَإِنْ عَجَزَ هُوَ وَوَرَثَتُهُ فَالْمُطَالَبَةُ فِي الْأَشْبَهِ كَمَا فِي الْمَظَالِمِ لِلْخَبَرِ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ عَلَى إنْسَانٍ دُيُونٌ أَوْ مَظَالِمُ يُقَدَّرُ مَالُهُ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ الدُّيُونِ وَالْمَظَالِمِ كَانَ يُسَوَّغُ أَنْ يُقَالَ يُحَاسَبُ بِذَلِكَ فِيهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ هَذَا وَيَصْرِفُ إلَى غَرِيمِهِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الدُّنْيَا بِالْمُدَبَّرِ الَّذِي لَهُ وَعَلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَالَهُ وَيُوَفِّي مَا عَلَيْهِ.

وَقَدْرُ الْمُتْلَفِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَحْدِيدُهُ عُمِلَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يُفْعَلُ فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ ثَمَنِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالْخَرْصِ أَسْهَلُ وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ، وَلَوْ بَايَعَ الرَّجُلُ مُبَايَعَاتٍ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا ثُمَّ صَارَ الْمَالُ إلَى وَارِثٍ أَوْ مُتَّهَبٍ أَوْ مُشْتَرٍ يَعْقِدُ تِلْكَ الْعُقُودَ مُحَرَّمَةً، فَالْمِثَالُ الْأَصْلِيُّ لِهَذَا اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ إمَامٍ أَخَلَّ بِمَا هُوَ فَرْضٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، وَمَا قَبَضَهُ الْإِنْسَانُ بِعَقْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَمَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَاءِ الدَّافِعِ ثُمَّ مَاتَ كَثَمَنِ الْخَمْرِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، فَاَلَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ ثُمَّ عَلِمَ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي حَامِلِ الْخَمْرِ، وَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْوَانَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقِيرٌ أَخَذَ كِفَايَتَهُ، وَفِيمَا إذَا عَرَفَ رَبَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ:

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ نَفْسَ الْمُصِيبَةِ لَا يُؤَجَّرُ عَلَيْهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلَى إنْ صَبَرَ أُثِيبَ عَلَى صَبْرِهِ. قَالَ وَكَثِيرًا مَا يُفْهَمُ مِنْ الْأَجْرِ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ فِيهَا أَجْرٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>