للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: يَظْهَرُ الْفَرْقُ إذَا قُلْنَا قَدْ مَلَكُوهُ يَكُونُ الرَّدُّ ابْتِدَاءَ مِلْكٍ وَإِلَّا كَانَ كَالْمَغْصُوبِ، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءَ مِلْكٍ فَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالْأَخْذِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا قَالَ وَإِلَّا بَقِيَ غَنِيمَةً وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَلْ يَمْلِكُونَهَا بِالظُّهُورِ أَوْ بِالْقِيمَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِمَا مَنْ تَرَكَ حَقَّهُ صَارَ غَنِيمَةً وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ الْعَامِلُ حَقَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ أَوْ تَرَكَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ حَقَّهُ أَوْ أَحَدُ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُعَيَّنِ حَقَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ وَمِثْلُهُ عَفْوُ الْمَرْأَةِ أَوْ الزَّوْجِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ قَسَمَ ثَمَنَهُ وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ فَهَلْ يَكُونُ كَاللُّقَطَةِ أَوْ كَالْخُمُسِ وَالْفَيْءِ وَاحِدًا أَوْ يَصِيرُ مَصْرِفًا فِي

الْمَصَالِحِ

، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِهِ وَلَيْسَ لِلْغَانِمِينَ إعْطَاءُ أَهْلِ الْخُمُسِ قَدْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ، وَتَحْرِيقُ رِجْلِ الْغَالِّ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ الْوَاجِبِ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِيهِ بِحَسَبِ

الْمَصْلَحَةِ

وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةِ حِرْمَانُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّلْبَ لِلْمَدَدِيِّ لَمَّا كَانَ فِي أَخْذِهِ عُدْوَانًا عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ.

وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ وَقُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةٍ هَلْ تُبَاحُ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ أَخْذِهِ وَيُقَالُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِإِبَاحَةِ شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ حَرَامًا.

وَقَدْ يُقَالُ يَجُوزُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا لَا بِالتَّفَرُّقِ وَإِنَّا فِي تَصَرُّفَاتِ السُّلْطَانِ بَيْنَ الْجَوَازِ وَبَيْنَ النُّفُوذِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ وَقَسْمُهُ وَحُكْمُهُ لَمَا أَمْكَنَ إزَالَةُ هَذَا الْفَسَادِ إلَّا بِأَشَدَّ فَسَادًا مِنْهُ فَيَنْفُذُ دَفْعًا لِاحْتِمَالِهِ وَلِمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ فِي الْوَفَاءِ.

وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ يُبَاحُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَظْلِمَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَالْحِلُّ أَقْرَبُ.

وَلَوْ تَرَكَ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ وَتَرَكَ هَذَا الْقَوْلَ وَسَكَتَ سُكُوتَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِهَابِ وَأَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ إذْنٌ، فَإِنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ، وَتَارَةً بِالْإِقْرَارِ عَلَى ذَلِكَ. فَالثَّلَاثُ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ كَمَا فِي إبَاحَةِ الْمَالِكِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ رَاضٍ بِذَلِكَ فِيمَا يَرَوْنَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ قَوْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ فِعْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ إقْرَارٌ، فَالرِّضَا مِنْهُ بِتَغْيِيرِ إذْنِهِ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ الدَّالِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>