للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْصُرُ بَلْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَامَّةٌ مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُضْطَرُّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضٌ إذْ إطْعَامُ الْجَائِعِ وَكِسْوَةُ الْعَارِي فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَصِيرَانِ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْمُعَيَّنِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ إلَّا مَالٌ لِغَيْرِهِ كَوَقْفٍ وَمَالِ يَتِيمٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ صَرْفُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْجِهَةِ فَيُصْرَفُ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَلَا.

تَرَدَّدَ نَظَرُ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَزِمَهُ الْعِوَضُ إذْ الْوَاجِبُ مُعَاوَضَتُهُ وَإِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ وَمَيْتَةً فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مَالِكَ الطَّعَامِ وَأَمْكَنَ رَدَّهُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهَا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ ذَلِكَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى عَيْنٍ قَدْ بِيعَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ كَمَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ لِأَنَّهَا فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ أُخِذَتْ ثُمَّ اخْتِيَارُهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ عِوَضِهَا إلَّا أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِحَقٍّ وَفِي الْآخَرَ بِبَاطِلٍ وَهَذَا إنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي الْأَخْذِ لَا فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِحْقَاقِ أَخْذِ التَّنْقِيصِ بِالشُّفْعَةِ فَيُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الِانْتِزَاعَ فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِ اضْطِرَارٍ ثُمَّ يَحْدُثُ اضْطِرَارٌ إلَيْهَا.

وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ إلَى مَنَافِعَ مُؤَجَّرَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ دَابَّةٌ وَسُكْنَى أَوْ دَارٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهِيَ كَالْأَعْيَانِ وَإِنْ قُلْنَا تُؤْخَذُ مَجَّانًا فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ لَا الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِهَا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ وَلَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فَالْوَاجِبُ الْمَعْرُوفُ عَادَةً كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَالرَّقِيقِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ مَذْمُومٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ

لَهُ فَكَذِبٌ وَيُكْرَهُ ذَبْحُ الْفَرَسِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ بِلَا نِزَاعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>