للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ - أَيْ اتَّقُوا: مَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرِّبَا وَمَا تَسْتَرِيبُونَ فِيهِ وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.

فَمَا اسْتُيْقِنَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرِّبَا، أَوْ الرِّبَا دُونَ الْبَيْعِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ، وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَقَدْ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ وَهُوَ الرِّيبَةُ.

فَلَيْسَ هُنَا أَصْلٌ مُتَيَقَّنٌ حَتَّى يُرَدَّ إلَيْهِ الْمُشْتَبَهُ لِأَنَّا قَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ، وَهُوَ اسْمٌ مُجْمَلٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بَيْعًا، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُوجِبُ الْجَهَالَةَ فِي الْمُسْتَثْنَى، إلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثٌ - لَا أَحْفَظُ الْآنَ إسْنَادَهُ - " «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ إلَّا مَنْ أَكَلَ الرِّبَا فَمَنْ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ» . ثُمَّ وَجَدْت إسْنَادَهُ رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَبْرَةَ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ مُنْذُ نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ الرِّبَا» قَالَ: قِيلَ لَهُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُمْ نَالَهُ مِنْ غُبَارِهِ»

، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِظُهُورِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تُسْتَبَاحُ بِاسْمِ الْبَيْعِ، أَوْ الْهِبَةِ، أَوْ الْقَرْضِ، أَوْ الْإِجَارَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الرِّبَا.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ الْأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ وَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ» ، فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ عَقِيبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمُنَاسَبَتِهِ بَيْنَ الْمُنَزَّلِ وَالْمُحَرَّمِ وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، لِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ قَدْ حُرِّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَأَوَّلُ النَّاسُ فِيهَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَيْنُهَا لَا ثَمَنُهَا، كَمَا تَأَوَّلَتْ الْيَهُودُ فِي الشُّحُومِ.

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْمَحَارِمَ بِنَوْعٍ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالرِّبَا، كَذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ فِي اسْتِحْلَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ أَنَّهَا بَيْعٌ لَيْسَتْ رِبًا، مَعَ أَنَّ مَعْنَاهَا مَعْنَى الرِّبَا، فَكَانَ تَحْرِيمُهُ لِلتِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ؛ إذْ ذَاكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ التَّأْوِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>