للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِحَاطَةَ بِالسُّنَّةِ كَالْمُتَعَذَّرِ عَلَى الْوَاحِدِ، أَوْ النَّفَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ خَالَفَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ هَذَا يَقُولُونَ بِالْحِيَلِ وَلَا يُفْتُونَ بِهَا بَلْ الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ رَدُّهَا وَالْإِنْكَارُ لَهَا، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ فِي لَعْنِ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ فَإِنَّ أَشْهَرَ حَدِيثٍ فِيهَا مُخَرِّجُهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ، وَفَقِيهُ الْقَوْمِ إبْرَاهِيمُ قَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا نَوَى أَحَدُ الثَّلَاثَةِ التَّحْلِيلَ فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.

وَهَذَا الْقَوْلُ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ فَمَنْ يَكُونُ هَذَا قَوْلَهُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ صِحَّةَ الْحِيَلِ وَجَوَازَهَا، وَكَذَلِكَ أَقْوَالُهُمْ فِي الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ رَدِّ الْقَوْمِ لِلْحِيَلِ، فَإِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ مُخَرِّجُهُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَقَوْلُهُمْ فِيهَا مَعْرُوفٌ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ فِي الرَّجُلِ يُقْرِضُ الرَّجُلَ دَرَاهِمَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِهِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، أَوْ نِيَّةٌ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ إذَا خُرِّجَ عَطَاؤُهُ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: اذْهَبْ فَبِعْهُ بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ بِعْ الدَّنَانِيرَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَلَا تَبِعْهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَيْت مِنْهُ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ إذَا بِعْت الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ غَيْرَ مُخَادَعَةٍ وَلَا مُدَالَسَةٍ فَإِنْ شِئْت اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ.

فَهَؤُلَاءِ سُرُجُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَئِمَّتُهُمْ، وَهَذِهِ أَقْوَالُهُمْ، وَلَقَدْ تَتَبَّعْنَا هَذَا الْبَابَ فَلَمْ نَظْفَرْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ بَلْ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ سَائِرِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ إلَّا النَّهْيَ عَنْهَا وَالتَّغْلِيظَ فِيهَا، فَلَمَّا حَدَثَ مِنْ بَعْضِ مُفْتِيهِمْ الْقَوْلُ بِالْحِيَلِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهَا انْطَلَقَتْ الْأَلْسِنَةُ بِالذَّمِّ لِمَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ وَظَهَرَ تَأْوِيلُ الْآثَارِ فِي هَذَا الضَّرْبِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا: مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا فَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً» قَالَ إِسْحَاقُ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَنُظَرَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ لَفِتْنَةٌ يَعْنِي أَهْلَ هَذَا الرَّأْيِ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى فِتْنَةٌ جَرَى النَّاسُ عَلَيْهَا فَاتَّخَذُوهَا سُنَّةً حَتَّى رَبَا الصَّغِيرُ وَهَرِمَ الْكَبِيرُ إلَّا فِتْنَةَ هَؤُلَاءِ، وَهِيَ عَلَامَتُهُمْ إذَا كَثُرَ الْقُرَّاءُ وَقَلَّ الْعُلَمَاءُ وَتُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: «أَحَلُّوا الْحَرَامَ وَحَرَّمُوا الْحَلَالَ» مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّ الِاحْتِيَالَ عَلَى إسْقَاطِ الْحُقُوقِ مِثْلِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَحَقِّ الرَّجُلِ فِي امْرَأَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إذَا اُحْتِيلَ عَلَيْهَا حَرَّمَتْ عَلَى الرَّجُلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الرَّأْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>